أي: عقبى أُولَئِكَ الذين صبروا؛ على ما ذكر؛ من وفاء العهد والصلة التي أمروا بها أن يصلوا؛ والصبر على أداء ما أمر به وافترض عليهم؛ والانتهاء عما نهى عنه - الدار التي دعاهم إليها بقوله:(وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلَامِ).
والثاني:(أُولَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ) أي: عقبى حسناتهم دار الجنة، وأُولَئِكَ لهم عقبى هذه الدار الجنة، أو عاقبتهم دار الجنة.
ثم نَعَتَ تلك الدار؛ فقال:(جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ (٢٣)
عدن: قال أهل التأويل: عدن: هو بطان الجنة؛ وهو وسطها، وقَالَ بَعْضُهُمْ: عدن هو الإقامة؛ أي: جنات يقيمون فيها؛ يقال: عدن: أي: أقام.
فَإِنْ قِيلَ: كيف خص بالذكر الآباء والأزواج والذرية؛ وهم قد دخلوا في قوله:(الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ) وفي قوله: (يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ)(وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ) فما معنى تخصيصهم بالذكر؟
هذا يحتمل وجوهًا:
أحدها: أنهم أسلموا؛ فاخترموا؛ أي: ماتوا كما أسلموا؛ ولم يكن لهم مما ذكر من الخيرات والحسنات؛ فأخبر أن هَؤُلَاءِ يدخلونها -أيضًا- ويلحقون بأُولَئِكَ.
والثاني: لم يبلغوا الدرجة التي بلغ أُولَئِكَ؛ فأخبر - عَزَّ وَجَلَّ - أنه يبلغهم درجة أُولَئِكَ ويلحقهم به؛ كقوله:(وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ. . .) الآية يضم بعضهم إلى بعض في الآخرة كما كانوا في الدنيا، يضم كل ذي قرين في الدنيا قرينه إليه في الآخرة.
وفي قوله:(وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ) وما ذكر دلالة أن صلاح غيره وإن قرب منه لا ينفعه؛