للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فيما امتحنهم لم يمتحنهم لمنفعة ترجع إليه، أو لمضرة يدفع عن نفسه، ولكن إنما امتحنهم لمنفعة ترجع إليهم إذا اختاروا ترك سلوك سبيل الباطل، وهو ما ذكر في غير آي من القرآن، إحداها هذه؛ حيث قال: (فَمَنِ اهْتَدَى فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا).

والثانية: بما قال - عَزَّ وَجَلَّ -: (إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا) أي: فعليها، وغير ذلك من الآيات التي تبين أنه إنما امتحنهم لمنفعة أنفسهم واكتساب الخير الدائم لهم، ولا قوة إلا باللَّه.

ثم قوله: (وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ) يخبر أن ليس عليك إلا تبليغ ما أرسلت وأمرت بتبليغه إليهم؛ كقوله: (إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلَاغُ)، وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ)، وقوله - تعالى -: (مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ)، وقوله: (وَمَا جَعَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا)، والوكيل: الحفيظ، واللَّه أعلم.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (٤٢) إلى آخر ما ذكر.

قال ابن عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: كل نفس لها سبب تجري فيه؛ فالتي قضي عليها الموت فتجري في الجسد كله.

لكن لم يفهم مما ذكر ابن عَبَّاسٍ تأويل الآية.

وعن سعيد بن جبير قال: يجمع بين أرواح الأحياء وبين أرواح الأموات فيتعارف ما شاء اللَّه أن يتعارف، فيمسك التي قضى عليها الموت ويرسل الأخرى إلى أجسادها، وبهذا - أيضًا - لم يفهم شيء من تأويل الآية.

وقال الكلبي: النائم متوفى حتى يرد اللَّه إليه روحه، فأما التي يتوفاها حين موتها فإنه يقبض الروح والنفس جميعًا ويرسل التي يتوفاها في منامها حتى تبلغ أجلها المسمى، وهو الموت.

ويقال: إنما يقبض اللَّه من النائم النفس، والروح في الجسد لم تفارقه، فإذا قبض الله الروح ذهبت النفس مع الروح.

وهذا الذي ذكره الكلبي أقرب إلى تأويل الآية من الذي ذكره أُولَئِكَ، وأصله: أن اللَّه - عَزَّ وَجَلَّ - جعل في الأجساد أشياء وأرواحًا يحيي الأجساد في حال نومها على الهيئة التي كانت من قبل، ليس بها أثر الموت، لكنها لا تدرك شيئًا، ولا تسمع، ولا تبصر، ولا تعقل شيئًا، وبها آثار الحياة؛ يدلنا هذا على أنها في حال النوم قد ذهب منها،

<<  <  ج: ص:  >  >>