لكن يحتمل أنه وَلَّى ذلك عليًّا؛ لما كان من عادة العرب أنهم إذا عاهدوا عهدًا أنه لا ينقض ذلك عليهم إلا من هو من قومهم، فولى ذلك عليًّا؛ لئلا يكون لهم الاحتجاج عليه فيقولون: لم ينقض علينا العهد.
أو أن يقال: ولى عليًّا أمر الحرب، وهو كان أبصر وأقوى بأمر الحرب من أبي بكر، وولى أبا بكر إقامة الحج والمناسك، فكان أبو بكر هو المولى أمر العبادات، وعلي أمر الحروب، والحاجة إلى الخلافة لإقامة العبادات.
أو أن يقال: إن أبا بكر كان أمير الموسم، وعليَّا كان مناديه، فالأمير في شاهدنا أجل قدرًا وأعظم منزلة من المنادي، وأمر عليًّا ذلك؛ لما أن ذلك كان أقبل وأسمع من غيره من الأمير نفسه، واللَّه أعلم.
أمر بإتمام العهد للذين لم ينقضوا المسلمين، ولا ظاهروا عليهم أحدًا، وأما الذين كانت عادتهم نقض العهد ونكثه فإنه لا يتم لهم، ولكن ينقض، وكذلك تأولوا قوله:(بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ): النقض.
ويحتمل أن يكون صلة قوله:(وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ)، ويكون العذاب الأليم هو القتل والأسر؛ كأنه يقول: وبشر الذين كفروا بالقتل والأسر (إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئًا وَلَمْ يُظَاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَدًا).
ثم يحتمل قوله:(لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئًا) أي: لم يخونوكم شيئًا ما داموا في العهد، (وَلَمْ يُظَاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَدًا) أي: لم يعاونوا ولا أطلعوا أحدًا من المشركين عليكم، (فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ)؛ كقوله:(وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ) أمر بالنبذ إليهم عند خوف الخيانة، وأمر بالإتمام إذا لم يخونوا ولم