للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

استغفروا ربكم ثم توبوا إليه واحدا.

ويحتمل على التقديم والتأخير توبوا إليه ثم استغفروا ما كان منكم من المساوي، أي: أقبلوا إلى طاعة اللَّه واندموا على أفعالكم.

وقوله: (اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ): معلوم أن هودا لم يرد بقوله: (اسْتَغْفِرُوا) أن يقولوا: نستغفر اللَّه، ولكن أمرهم أن يطلبوا السبب الذي به تجب لهم المغفرة وتحق وهو التوحيد، كأنه قال: وحدوا ربكم فآمنوا به ثم توبوا إليه، أو يقول: اطلبوا المغفرة بالانتهاء عن الكفر؛ كقوله تعالى: (إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ).

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ): قال بعض أهل التأويل: إنه قد كان انقطع عنهم المطر وانقطع نسلهم، فأخبر أنكم إن تبتم إلى اللَّه، واستغفرتم ربكم (يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا. . .) الآية حتى تناسلوا وتتوالدوا.

ويحتمل قوله: (وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً) أي: يزدكم قوة أفعالكم إلى قوة أبدانكم؛ لأنهم كانوا أهل قوة وأهل بطش بقولهم قالوا: من أشد منا قوة.

ويحتمل على الابتداء: يرسل السماء عليكم مدرارا، ويزدكم قوة إلى قوتكم.

فقوله: (وَلَا تَتَوَلَّوْا) عما أدعوكم فيه؛ فتكونوا (مُجْرِمِينَ) ولا تتولوا عما أدعوكم فيه؛ فتكونوا مجرمين. المجرم قال أبو بكر: هو الوثاب في الإثم، وقيل: هو المكتسب.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (قَالُوا يَا هُودُ مَا جِئْتَنَا بِبَيِّنَةٍ وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِي آلِهَتِنَا عَنْ قَوْلِكَ وَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ (٥٣) على ما تدعونا إليه، أو على ما تدعي من الرسالة، فعند ذلك قال لهم هود: (إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا مُفْتَرُونَ).

(وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِي آلِهَتِنَا) أي: ما نحن بتاركي عبادة آلهتنا عن قولك، أي: بقولك، كان لا يدعوهم هود إلى ترك عبادة آلهتهم بقوله خاصة، ولكن قد دعاهم وأقام على فساد ذلك الحجج والبراهين، لكنهم قالوا متعنتين مكابرين: (وَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ) فيما تدعونا إلمه، وتنهانا أن نعبد ما يعبد آباؤنا.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (إِنْ نَقُولُ إِلَّا اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوءٍ قَالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ (٥٤) قيل: هو كان يسب آلهتهم ويذكرهم بالعيب فيقولون: إن يعترك من بعض آلهتنا سوء أو يصيبوك بجنون وخبل، فلا عجب أن يصيبك منها فاجتنبها سالما، فذلك يخرج منهم مخرج الامتنان،

<<  <  ج: ص:  >  >>