للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

سُورَةُ الرَّحْمَنِ مَكِّيَّة، وقيل: بل مدنية

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

قوله تعالى: (الرَّحْمَنُ (١) عَلَّمَ الْقُرْآنَ (٢) خَلَقَ الْإِنْسَانَ. عَلَّمَهُ الْبَيَانَ. الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ (٥) وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ (٦) وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ (٧) أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ (٨) وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلَا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ (٩) وَالْأَرْضَ وَضَعَهَا لِلْأَنَامِ (١٠) فِيهَا فَاكِهَةٌ وَالنَّخْلُ ذَاتُ الْأَكْمَامِ (١١) وَالْحَبُّ ذُو الْعَصْفِ وَالرَّيْحَانُ (١٢) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (١٣).

قوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (الرَّحْمَنُ (١) عَلَّمَ الْقُرْآنَ (٢) قد عرفت العرب وعلمت أن " الرحمن " على ميزان " فعلان "، مشتق من الرحمة، لكن أحدا من الخلائق لا يبلغ في الرحمة مبلغا يستحق تسميته به: رحمانا؛ لذلك خص اللَّه تعالى نفسه بتسميته: الرحمن، وإن كان مشتقًّا من الرحمة؛ كالرحيم، وجاز تسمية غيره: رحيما، واللَّه أعلم.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (عَلَّمَ الْقُرْآنَ)، ذكر أن الرحمن علم القرآن، ولم يذكر لمن علمه؛ فجاز أن يكون المراد منه: أنه - تبارك وتعالى - علم القرآن رسولنا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -.

ثم يخرج ذلك على وجوه:

أحدها: أنه جبريل - عليه السلام - حيث قال: (عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى. ذُو مِرَّةٍ)، لكن خرجت الإضافة إلى اللَّه تعالى؛ لما أنه علمه بأمره.

والثاني: أضاف التعليم إلى نفسه؛ لما أنه هو الذي أثبته في قلبه حتى لا ينساه؛ كقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَى)، وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ (١٦) إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ)، وقوله: (كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ).

والثالث: أضاف إلى نفسه، وإن علمه جبريل - عليه السلام - لأنه هو الخالق لفعل التعليم من جبريل، عليه السلام.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ - (خَلَقَ الْإِنْسَانَ (٣) عَلَّمَهُ الْبَيَانَ (٤).

قَالَ بَعْضُهُمْ: (خَلَقَ الْإِنْسَانَ) أي: آدم عليه السلام، و (عَلَّمَهُ الْبَيَانَ) أي: الأسماء التي ذكر في آية أخرى، (وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ)؛ إذ لا سبيل إلى معرفة الأسماء إلا بالتلقين، ليس كالأشياء التي تعرف وتدرك بالاستدلال.

ويحتمل أن يكون المراد بقوله تعالى: (خَلَقَ الْإِنْسَانَ) أي: خلق كل إنسان وعلمه البيان: أي: علمه بيان ما يمتحنهم به من الأمر والنهي؛ ليعلم أنه لم يخلق الإنسان ليتركه سدى.

<<  <  ج: ص:  >  >>