للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

والثاني: (عَلَى قَلْبِكَ) أي: لا يذهب عنه، بل اللَّه يجمعه في قلبك؛ كقوله: (لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ (١٦) إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ).

أو أن يكون قوله: (عَلَى قَلْبِكَ) أي: يثبته على قلبك لقولهم: (لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ).

أو أن يكون قال ذلك لما انتهى إلى قلبه وحفظه غاية حفظه قال: (عَلَى قَلْبِكَ)؛ كأنه ألقي في قلبه وكذلك يقال.

وقوله: (لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ (١٩٤) بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ (١٩٥) كأنه - واللَّه أعلم - على التقديم والتأخير يخرج، أي: نزل به الروح الأمين على قلبك بلسان عربي مبين لتكونن من المنذرين.

والباطنية يقولون: أنزله على رسوله كالخيال غير موصوف بلسان، ثم إن رسوله أداه بلسانه العربي المبين أي: بيَّنه، لكنه ليس كذا؛ لأنه قال في آية أخرى: (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا)؛ فيبطل قولهم: إنه أداه بلسانه عربيّا من غير أن أنزله كذلك، ولو كان على ما يقوله الباطنية: إنه لم ينزله بهذا اللسان - أعني: اللسان العربي - وأن الرسول هو الذي صيره بهذا اللسان وأداه به لكان لا يصير جوابًا لقولهم: (إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ)، ولا حجة عليهم، فإذا ذكر هذا جوابًا لقولهم وحجة عليهم؛ دل أنه إنما أنزل عليه عربيا، وأن تأويل الأول ما ذكرنا على التقديم والتأخير.

وقوله: (وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ (١٩٦) قال بعض أهل التأويل: وإنه - أي: نعت محمد وصفته - كان في كتب الأولين.

وجائز أن يكون قوله: (وَإِنَّهُ) أي: هذا القرآن كان ذكره في كتب الأولين أنه ينزل على رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - لا أن عينه كان فيها.

أو أن كان بعضه في زبر الأولين لا الكل، واللَّه أعلم.

وقوله: (أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ آيَةً أَنْ يَعْلَمَهُ عُلَمَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ (١٩٧) قال بعض أهل التأويل: أوَلم يكن لهم مُحَمَّد آية أن علماء بني إسرائيل كانوا يعلمون أنهم يجدونه مكتوبًا عندهم في الكتب.

لكن تأويله: أو لم يكفهم علم علماء بني إسرائيل آية أنه رسوله. ثم الآية تكون بوجهين:

أحدهما: ما ذكر أن أهل مكة أرسلوا إلى اليهود بالمدينة يسألونهم عن رسول اللَّه، فأخبروهم عنه أنه يخرج في وقت كذا، وأن نعته كذا، وهذا وقت خروجه.

والثاني: يقول: أولم يكفهم آية إسلام علماء بني إسرائيل وفقهائهم أنه رسول نحو ابن

<<  <  ج: ص:  >  >>