وقَالَ بَعْضُهُمْ: هو على التقديم: أي: آتيناك المثاني والقرآن العظيم؛ أنزلناه عليك كما أنزلنا التوراة والإنجيل على اليهود والنصارى؛ فهم المقتسمون كتاب اللَّه؛ فآمنوا ببعض وكفروا ببعض.
وقال أَبُو عَوْسَجَةَ: يقال: عضيت الجزور: أي: قسمتها عضوًا عضوًا.
وقال غيره: هو من العضة: وهو السحر؛ بلسان قريش؛ يقال للساحر عاض.
وقَالَ الْقُتَبِيُّ: المقتسمون: قوم تحالفوا على عضة النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -؛ وأن يذيعوا ذلك بكل طريق، ويخبروا به النزاع إليهم. وعضين: أي: فرقوه وعضوه. وقيل: فرقوا القول فيه، وهو ما ذكرنا. واللَّه أعلم.
(لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ): قَالَ بَعْضُهُمْ: الخلائق كلها؛ كقوله:(فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ)، أخبر أنه يسألهم جميعًا: الرسل عن تبليغ الرسالة، والذين أرسل إليهم عن الإجابة لهم.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: قوله: (فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ): هَؤُلَاءِ الذين سبق ذكرهم؛ المقتسمين الذين جعلوا القرآن عضين، والذين استهزءوا برسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - وأصحابه؛ يسألهم عن حجج ما فعلوا، والمعنى الذي حملهم على سوء معاملة رسوله وكتابه، لأي: شيء نسبتم رسولي وكتابي إلى السحر، والكذب، والكهانة، والافتراء على اللَّه؟ لا يسألون ما فعلتم؟ وأي شيء عملتم؛ لأن ذلك يكون مكتوبًا في كتبهم؛ يقرءونه؛ كقوله:(اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا)، وهو وعيد شديد في نهاية الوعيد والشدة؛ لأنه وعيد مقرون بالقسم، وكل وعيد قرن بالقسم فهو في غاية الشدة؛ إذ لو جاءنا ذلك الوعيد من ملك من ملوك البشر يجب أن يخاف؛ فكيف من ربنا؟!