للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الهدى، لم يشأ أن يجمعهم على الهدى، وقد ذكرنا هذا فيما تقدم ألا يكون الهدى في حال القهر والجبر، وإنما يكون في حال الاختيار.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ).

يحتمل وجوهًا:

يحتمل: فلا تكونن من الجاهلين: من قضاء اللَّه وحكمه.

ويحتمل: لا تكونن من الجاهلين: من إحسانه وفضله، أي: من إحسانه وفضله يجعل لهم الهدى.

ويحتمل: لا تكونن من الجاهلين أنه يؤمن بك بعضهم وبعضهم لا يؤمن.

قال أبو بكر الكيساني في قوله: (وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى) أي: لو شاء الله ابتلاهم بدون ما ابتلاهم به ليخف عليهم، فيجيبون بأجمعهم، أو يقول: لو شاء اللَّه، لوفقهم جميعًا للهدى فيهتدون، وهو قولنا، لكن لم يشأ؛ لما ذكرنا أنه لم يوفقهم لما علم منهم أنهم يختارون الكفر.

وقوله: (فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ)، بأن اللَّه قادر لو شاء لجعلهم جميعًا مهتدين.

ثم معلوم أن رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - كان معصومًا، لا يجوز أن يقال إنه يكون من الجاهلين أو من الشاكرين، على ما ذكر، ولكن ذكر هذا - واللَّه أعلم - ليعلم أن العصمة لا ترفع الأمر والنهي والامتحان، بل تزيد؛ لذلك كان ما ذكر، واللَّه أعلم.

* * *

قوله تعالى: (إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ وَالْمَوْتَى يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ (٣٦) وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّ اللَّهَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُنَزِّلَ آيَةً وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (٣٧) وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ (٣٨) وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا صُمٌّ وَبُكْمٌ فِي الظُّلُمَاتِ مَنْ يَشَإِ اللَّهُ يُضْلِلْهُ وَمَنْ يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (٣٩)

قوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ) معناه - واللَّه أعلم - إنما يستجيب الذين ينتفعون بما يسمعون، وإلا كانوا يسمعون جميعًا، لكن الوجه فيه ما ذكرنا أنه إنما يجيب الذين ينتفعون بما يسمعون، وهو كقوله - تعالى -: (إِنَّمَا تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ) كان النبي - عليه السلام - ينذر من اتبع الذكر ومن لم يتبع، لكن انتفع

بالإنذار من اتبع الذكر، ولم ينتفع من لم يتبع، وهو ما ذكر - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَذَكِّرْ فَإِنَّ

<<  <  ج: ص:  >  >>