وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ ... (٧٣) قد ذكرناه. وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَقَامًا وَأَحْسَنُ نَدِيًّا): كأن هذا القول من الكفرة خرج جواب ما احتج عليهم أهل الإيمان بالآيات التي ذكروا حجاجًا عليهم، فيقولون: إنكم تقولون: إن الدنيا والآخرة لله، فقد وسع علينا الدنيا وضيق عليكم، فعلى ذلك يوسع الآخرة علينا ويضيق عليكم كما فعل في الدنيا؛ إذ لا يجوز أن يوالينا في الدنيا ويعادينا في الآخرة، وعلى هذا قولهم:(نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالًا وَأَوْلَادًا وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ)، فظنوا أنه لما وسع عليهم وأحسن بهم الندى والمجلس كذلك يكونون في الآخرة، فأكذبهم اللَّه، ورد عليهم ذلك فقال:(وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَحْسَنُ أَثَاثًا وَرِئْيًا (٧٤) أخبرهم بما عرفوا هم أنهم كانوا أهل السعة والزينة، ثم أهلكوا بتكذيبهم الرسل وعصيانهم ربهم، فلو كان ما ذكر هَؤُلَاءِ الكفرة لكانوا لا يهلكون؛ فيلزمهم بما ذكر أن من وسع عليه الدنيا وضيق عليه الآخرة إنما يكون بحق المحنة، لا بحق المنزلة والقدر، وأمَّا الثواب والجزاء فهو بحق القدر والمنزلة والخذلان.
وقَالَ الْقُتَبِيُّ:(نَدِيًّا) مجلسًا، يقال للمجلس: ندي ونادٍ، ومنه قيل: دار الندوة التي كان المشركون يجلسون ويتشاورون بها في رسول اللَّه، والأثاث: المتاع، والرئي: المنظر، والبشارة، والهيئة.