وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (أَهُمْ خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ أَهْلَكْنَاهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ (٣٧) ليس في هذا جواب لقولهم: (فَأْتُوا بِآبَائِنَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ)، ولم يأت بجواب ذلك، وإنما كان؛ لأنهم لم يستحقوا الجواب لهذا السؤال؛ لأنهم سألوا ذلك تعنتًا وعنادًا.
ويحتمل أن يكون في هذا جواب لقولهم وسؤالهم الآية المخترعة، وفي الآية دلالة على البعث أيضًا:
بيان الأول: أنه أخبر عن قوم تبع ومن ذكر من الأمم الخالية، كانوا ينكرون رسالة رسلهم، ويكذبونهم، ويوعدونهم الرسل بالعذاب والهلاك، فيكذبونهم - أيضًا - فيما يوعدون من البعث، فجاءهم الهلاك، فيقول:(أَهُمْ خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ) ومن ذكر، أي: أُولَئِكَ هم أشد قوة أم هَؤُلَاءِ؟ وهم علموا أن أُولَئِكَ أشد قوة وبطشًا، ثم لم يتهيأ لهم الامتناع من عذاب اللَّه الذي نزل بهم بتكذيبهم الرسل وإنكارهم البعث، فأنتم دون أُولَئِكَ، فكيف يتهيأ لكم الامتناع من العذاب إذا نزل بكم؟! وهو كقوله - تعالى -: (أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِنْ أُولَئِكُمْ)، وإذا لم يتهيأ لهم الدفع ومن سنته الاستئصال بالتكذيب للآيات المخترعة، وقد وعد البقاء لهذه الأمة إلى يوم القيامة وكونه رحمة للخلق؛ لذلك لم يعطهم الآية التي سألوا، واللَّه أعلم.
وأما الثاني: وهو أنه لما أخبر: أن تعذيب أُولَئِكَ الكفرة؛ لتكذيب الرسل وإنكار البعث؛ فدل أن البعث حق حتى يستحق منكره العذاب، واللَّه أعلم.
وذكر أن تبعًا كان رجلا صالحًا، وعائشة - رضي اللَّه عنها - تقول:" لا تسبوا تبعًا؛ فإنه كان رجلا صالحًا ".
وذكر أنه كان رسولا، وقد ذكرنا نعته، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ (٣٨) وقال في آية أخرى: (وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا): إن الكفرة كانوا لا يطلقون القول، فلا يقولون: إن اللَّه - تعالى - خلقهما وخلق ما بينهما باطلا ولعبًا، لكن خلق ذلك كله على فتياهم وظنهم، وعلى ما عندهم يصير عبثًا باطلا؛ لأنهم كانوا ينكرون البعث، ويقولون: أن لا بعث، ولا حساب، ولا ثواب، ولا عقاب، فإذا كان فتياهم وظنهم أن لا بعث ولا نشور، يكون خلقهم وخلق السماء والأرض وما ذكر - باطلا ولعبًا؛ لأن المقصود بخلق ما ذكر -على زعمهم- لم يكن إلا الإفناء والإهلاك، ومن لم