يشبه أن يكون هذا خرج مقابل قوله:(وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ) وقوله: (وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ)، وجوابًا لما ذكر فيه تبيانًا لكل شيء، وتفصيل كل شيء، فقالوا: كيف يحتمل هذا المقدار أن يكون فيه تبيان كل شيء وتفصيل كل شيء؟ فقال - عَزَّ وَجَلَّ - عند ذلك جوابًا لقولهم: إنه لو بسط ما أودع فيه من نحو المعاني والحكمة، وشرح ذلك فكتب بما ذكر لبلغ القدر الذي ذكر وازداد.
وقال الحسن: قوله: (لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي) أي: لخلق ربي، أي: لو قال ما خلق وأملى: أني خلقت كذا، وخلقت كذا، فيكتب جميع ما خلق، لبلغ القدر الذي ذكر. ويرجع تأويله إلى ما خلق من أصناف الخلق وأجناس الأشخاص.
وقال أبو بكر الأصم: قوله: (لِكَلِمَاتِ رَبِّي) لبيان ما خلق ربي، فهو يرجع إلى الأول، وقال: فائدة ما ذكر هو أن يعرفوا أن خلائقه وما أنشأ، لَمِمَّا يخرج عن الوقوع في الأوهام، فالذي أنشأ ذلك وخلقه أحرى أن يكون خارجًا عن الوقوع في الأوهام والتصور فيها.
والثاني: يعرفوا قدرته وسلطانه، وإحاطة علمه بالخلائق، وما أنشأ فيعلموا: أن من قدر على هذا فهو على البعث الذي أنكروا أقدر، ومن أحاط علمه بما ذكر فهو على الإحاطة بأفعالهم وأقوالهم أعلم وأعرف؛ ليكونوا على الحذر أبدًا في كل وقت.
ثم يحتمل قوله:(لِكَلِمَاتِ رَبِّي) حججه وآياته التي أقامها على وحدانيته وربوبيته، أي: لو كتب ذلك لبلغ ذلك الذي ذكر.
وإن كان المراد من الكلمات: القرآن، فالتأويل ما ذكرنا بدءا: أنه كان خرج على الجواب والمقابلة لقول كان منهم، وهو ما قاله الحسن وأبو بكر إن كان كلماته خلقه أو البيان عن خلقه.