للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

شرًّا كان أو خيرًا، وكذلك (وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا) و (نَقِيرًا)، أي: لا يظلمون شيئًا، وكذا (مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ) أي: لا يملكون شيئا؛ لأن القطمير لا يملك؛ فإنما يذكر هذا وأمثاله على التمثيل الذي ذكرنا.

أو أن يكون تأويل قوله: (وَمَا أَمْرُ السَّاعَةِ إِلَّا كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ)، أي: ليس ما بين الساعة وبينكم مما مضى من الوقت إلا قدر لمح البصر، أي: لم يبق من وقت قيامها مما مضى إلا ما ذكر من لمح البصر أو أقرب مما ذكر على الاستقصار مما بقي.

(إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ).

وعلى البعث والإعادة، وعلى كل شيء، لا يعجزه شيء.

وظاهر الآية ينقض على المعتزلة قولهم؛ لإنكارهم خلق أفعال العباد؛ لأنه أخبر أنه على كل شيء قدير، وعلى قولهم: هو غير قادر على العالم بشيء.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (٧٨)

يذكر بهذا قدرته وسلطانه على ما سبق: من ذكر سرعة القيامة، والعلم بها، والحكمة التي جعل في البعث؛ فقال: (وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا): خلق الولد في ظلمات ثلاث، وجعل غذاه بغذاء الأمهات وبقواهن، ثم تقلبه في تلك الظلمات من حال إلى حال: ما لو اجتهد الخلائق أن يعلموا اغتذاءه بغذاء الأمهات، وتقليبه من حال إلى حال، ومن جوهر إلى جوهر - ما قدروا على ذلك؛ فيدل هذا على أن من قدر على هذا، وعلم هذا في تلك الظلمات لقادر على البعث وإعادة الخلق بعد الفناء، وعلْم ما غاب عن الخلق.

ويذكرنا ابتداء أحوالنا أنه أخرجنا من بطون أمهاتنا ونحن لا نعلم شيئًا، ثم صيَّرنا بحال صرنا عالمين أشياء، يذكرنا نعمه ومننه علينا في بلوغنا إلى الأحوال التي صرنا إليها بعدما كنا ما ذكر.

والثاني: يذكرنا أنكم كنتم بالحال التي ذكر؛ لنعلم أنه صيرنا في البطون بلا استعانة بأحد منا ولا عون منه إلى أحد، واللَّه أعلم.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ).

<<  <  ج: ص:  >  >>