وفيه دلالة أن الرجل قد ينهى ويؤاخذ بما يجري على يده خطأ وجهلا، ويخاطب بذلك حيث قال:(فَعَلْتُهَا إِذًا وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ).
ثم قال:(فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ ... (٢١) وهو حين قال ذلك الرجل: (إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ) الآية، فخرج منها خائفًا يترقب، وذلك فراره منهم.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: حكما، أي: منَّ عليَّ بالحكم وجعلني من المرسلين، وقد كان ذلك له كله.
وقوله:(وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَيَّ أَنْ عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرَائِيلَ (٢٢) وهو استعبادك إياهم، أي: إذا ذكرت هذا فاذكر ذاك، هذا يحتمل وجوهًا.
أحدها: أن تذكر ما أنعمت عليَّ وتمنها، ولا تذكر مساوئك ببني إسرائيل، وهو استعبادك إياهم، أي: إذا ذكرت هذا فاذكر ذاك.
والثاني: أن تلك نعمة تمنها عليَّ حيث لم تعبدني وعبَّدت بني إسرائيل، يخرج على قبول المنة منه.
والثالث: وتلك نعمة لو خليت عن بني إسرائيل ولم تستعبدهم لولوا ذلك عنك، وتمام هذا يقول موسى لفرعون: أتمن عليَّ يا فرعون بأن اتخذت بني إسرائيل عبيدًا، وكانوا أحرارا فقهرتهم؟!
وقال موسى:(فَعَلْتُهَا إِذًا وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ) أي: من الجاهلين بذلك أنه يتولد من وكزته الموت؛ وكذلك روي في بعض الحروف:(وأنا من الجاهلين)؛ دل أنه على الجهل ما فعل ذلك لا على القصد.
وقَالَ بَعْضُهُمْ في قوله:(وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَيَّ) يقول: وهذه منة تمنها بقوله: (أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيدًا) أن يقول: تمن بها عليَّ أن تستعبد بني إسرائيل، وتمن عليَّ بذلك.
ثم قال فرعون لموسى:(وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ (٢٣) فقال له: (رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا (٢٤) من خلق، (إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ)، ثم قال لمن حوله:(أَلَا تَسْتَمِعُونَ (٢٥)