للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وروي في خبر آخر أنه سئل النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - عن محرم أتى بلحم صيد؟ قال: " لَا تَأْكُلْ مِنْهُ " لكن هذا الحديث يجوز أن يحمل على أن كان صيد بعد أن أحرم أو أن يكون صيد من أجله، وإذا صيد من أجله لم يحل له أكله؛ دليله من خبر عثمان - رضي اللَّه عنه -: " ما أمرت بصيد، ولا صيد من أجلي "، وخبر جابر - رضي اللَّه عنه - عن رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - قال: " لَحْمُ صَيدِ البَر حَلَالٌ لَكُم وَأَنْتُم حُرُمٌ مَا لَم تَصِيدُوهُ أَوْ يُصَدْ لَكُم ".

ثم المسألة في معرفة صيد البر من البحر: قَالَ بَعْضُهُمْ: ما كان يعيش في البر والبحر فلا تصيدوه، وما كان حياته في الماء فذاك البحري.

وقال آخرون: أكثر ما يكون في الماء حتى يفرخ.

وقال غيرهم: صيد البر هو الذي إن أخذه الصائد حَيًّا فمات في يده لم يحل، ولا يحل إذا أدرك زكاته إلا بتزكيته، فكل ما كانت هذه صفته فهو صيد البر، وإن كان قد يعيش في الماء.

وما كان الصائد إذا أخذه حيا وهو يعيش في الماء فمات في يده أكله، فذلك صيد البحر، وذلك السمك.

وفي ذلك وجه آخر: وهو أن كل ما ألقاه البحر وقذفه فمات فحل لنا أكله، فذلك طعامه، وإن لم يحل أكله فليس بطعامه، فما كان طعامه وألقاه فمات فهو إذن صيد البحر، وما لا يحل أكله إذا ألقاه، فليس بصيد البحر إذا صيد؛ لأن اللَّه أباح صيد البحر وطعامه، فما ليس بطعامه إذا ألقاه فمات فليس بصيد إذا أخذ حيا، واللَّه أعلم.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَاتَّقُوا اللَّهَ) في استحلال قتل الصيد في الحرم، أو اتقوا اللَّه في أخذ الصيد في حال الإحرام بعد النهي، أو اتقوا اللَّه في كل ما لا يحل (الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ) فتجزون بأعمالكم: إن خيرًا فخير، وإن شرًّا فشر.

ويحتمل قوله: (إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ)، أي: إلى حكمه تصيرون؛ كقوله - تعالى -: (لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ)، واللَّه أعلم. وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ ... (٩٧) اختلف فيه: قَالَ بَعْضُهُمْ قوله -تعالى -: (قِيَامًا

<<  <  ج: ص:  >  >>