جائز أن هذا إخبار من اللَّه أنهم يفسدون أبدًا في الأرض ولا يؤمنون أبدًا.
وجائز أن يكون إخبارا عن حالهم، أي: يعملون الفساد والمعاصي ولا يصلحون، أي: لا يسعون بالصلاح.
وقال ابن عَبَّاسٍ: إن هَؤُلَاءِ التسعة كانوا من أبناء أشرافهم، وكانوا بالحِجر، وكانوا فساقا، فقَالَ بَعْضُهُمْ لبعض: لنقتلن صالحًا وأهله، ثم لنقولن لوليه - أي: لقومه من ورثته -: ما قتلناه.
وقوله: (لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ (٤٩) فتحالفوا على ذلك، فأتوا صالحا ليلا فدخلوا عليه بأسيافهم ليقتلوه، وعند صالح ملائكة جاءوا من اللَّه تعالى يحرسونه، فقتلوا الرهط في دار صالح بالحجارة؛ فذلك قوله: (وَمَكَرُوا مَكْرًا ... (٥٠): بصالح وأهله، (وَمَكَرْنَا مَكْرًا) أي: أهلكناهم، (وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ): أنهم يهلكون.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: هَؤُلَاءِ التسعة الرهط تواثقوا أنهم يبيتون صالحًا ويقتلونه وأهله بعدما عقروا الناقة، وقالوا فيما بينهم: فإن خُوصِمنا في ذلك لنقولن ولنقسمن: ما شهدنا مهلك أهله، أي: ما حضرنا في هلاكهم؛ على هذا التأويل يكون على التقديم والتأخير.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: هَؤُلَاءِ التسعة كانوا شرار قومه، خرجوا بخمر إلى بعض المغار ليشربوها، ثم ليبيتوا على صالح وأهله، فشربوا هنالك فانهدم بهم الصخرة وعذبوا فيه؛ فذلك قوله: (وَمَكَرُوا): بقتل صالح وهلاكه، (وَمَكَرْنَا مَكْرًا). بهم حيث أهلكناهم، (مَكْرًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ). والمكر: هو الأخذ بغتة.
وقوله: (وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا) أي: جزيناهم جزاء مكرهم.
ثم اختلف في قراءة (لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ ثُمَّ لَنَقُولَنَّ) بالنون؛ فذلك قول بعضهم لبعض.
وقرأه بعضهم بالتاء: (لتبيتنه وأهله ثم لتقولن)؛ فذلك قول الرؤساء للأتباع،
ومن قرأ بالياء يجعله خبرًا عن اللَّه تعالى لهم.
وقوله: (فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (٥٢) أي: لم نُسكن فيها أحدًا، ولكن تركناها خالية كذلك.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: (خَاوِيَةً) أي: خربة بما ظلموا كقوله: (وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا) أي: ساقطة خربة، وقد كان ذلك كله: منها ما جعل لغيرهم مسكنًا إذا أهلكهم من نحو ما