للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ذلك المؤمن فقال: (أَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ جَنَّاتُ الْمَأْوَى نُزُلًا بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (١٩) وعد لهم الجنات بالإيمان وعمل الصالحات، فيقال: إن الوعد المطلق هو لمن آمن وعمل الصالحات، فأما من آمن ولم يعمل من الصالحات شيئًا، لا نقول بأن له ذلك الوعد المطلق، ولكن له الوعد الذي ذكرنا.

وفي الآية دلالة أَنْ قد يعمل المؤمن غير الصالحات وهو مؤمن؛ لأنه لو لم يكن منه غير عمل الصالحات لم يكن لشرط العمل الصالح له معنى، دل أنه يكون من المؤمن غير العمل الصالح، وذلك على المعتزلة والخوارج.

(وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (٢١) اختلف في العذاب الأدنى:

قَالَ بَعْضُهُمْ: هو القتل يوم بدر.

ومنهم من يقول: هو الجوع في السنين التي كانت لهم فيها، والضيق والشدة.

ومنهم من يقول: هو المصائب التي تصيبهم.

وأمثال ذلك كثير، لكن ذلك العذاب ليس هو عذاب الكفر؛ لأن عذاب الكفر يكون في الآخرة أبدًا دائمًا لا زوال ولا انقطاع، فأما عذاب الدنيا لهم عذاب عنادهم وما يكون منهم من الجنايات في حال كفرهم يعذبون في الدنيا؛ ليذكرهم ذلك العذاب في الآخرة العذاب الدائم ليمنعهم عما به يعذبون في الدنيا عن عذاب الآخرة، وكذلك ما أعطى لهم من اللذات والنعيم في الدنيا - وإن كان منقطعًا - ليذكرهم ذلك النعيم وتلك اللذاتُ لذات الآخرة ونعمها الدائمة؛ ولذلك رغب اللَّه خلقه إلى طلب الآخرة، وأخبر أن لهم فيها من اللذات كذا في غير آي من القرآن؛ حيث قال: (وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ. . .) الآية، ونحوه كثير.

والعذاب الأكبر هو عذاب الآخرة، وهو عذاب الكفر والتكذيب.

وقوله: (لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) لكي يلزمهم حجة الرجوع عما هم فيه من التكذيب؛ لئلا يقولوا: (إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ)، واللَّه أعلم.

وقوله: (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ (٢٢)

قوله: (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ)

أي: هل أحد أظلم ممن ذكر (بِآيَاتِ رَبِّهِ) وقع له المعرفة والعلم أنها آيات ربه، (ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا) بعدما عرفها، وعلم بها - ليس أحد أظلم من ذلك.

التذكير بآياته: ما ذكرنا أنهم يذكرون لتقع لهم بأنها آياته، ثم يحتمل آيات وحدانيته وآيات الرسالة، أو آيات البعث، أو آيات القرآن، واللَّه أعلم.

وقوله: (إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ) جرمهم هاهنا جرم كفر، ينتقم منهم انتقام الكفر

<<  <  ج: ص:  >  >>