بكم وتنكرون رسالة رسوله، ولا بد من رسول يرسل إليكم، وذلك من أعظم النعم وأجلها؟! فيخرج تأويل الآية على هذه الوجوه التي ذكرنا:
أحدها: في إنكار وحدانية اللَّه وألوهيته.
والثاني: إنكار قدرته على البعث.
والثالث: في إنكارهم رسالة الرسول، وصرفهم شكر نعمه إلى غيره بعبادتهم غير اللَّه.
ثم الحكمة في خلق الأرض وجعله الحد الذي ذكر يومين، وإن كان قادرًا على خلق كل شيء بلا تحديد ولا توقيت - فقَالَ بَعْضُهُمْ: فيه تعريفه الخلق والتعليم لهم الأناة -أي: التأني- في الأمور وترك الاستعجال فيها.
والأصل في ذلك عندنا: أن اللَّه - جل وعلا - جعل أمر الدنيا وأمر هذا العالم على التحديد والتقليب من حال إلى حال نحو ما ذكر من تقليبه وتغييره من حال النطفة إلى حال العلقة، ومن حال العلقة إلى حال المضغة، ومن حال المضغة إلى حال تركيب الجوارح ثم إلى حال الإنسان، ثم من تلك الحال إلى أن يكبر يقلبه من حال إلى حال أخرى؛ وكذلك أمر الدنيا وما فيها من الفواكه والنبات وغير ذلك ينشئها ويحدثها في كل عام، وإن كان لو شاء أحدثها في عام واحد وأبقاها إلى آخر الأبد، لكن لم يفعل ذلك؛ لما بني أمر هذا العالم على الفناء والفساد؛ فيستدل بطريان هذه الأحوال عليها على أصل الوضع؛ ولذلك ركب فيهم المرض والسقم والسلامة والصحة، وبنى أمر الآخرة على البقاء والدوام؛ فعلى ذلك من التحديد والتوقيت في خلق الأرض.
ويحتمل أن يقال: جعل ذلك على التحديد والتقدير؛ لأنها دار محنة وابتلاء، والابتلاء إنما يقع على التوقيت والتقدير في أوقات متباينة وأسباب مختلفة، فأما الآخرة فلا محنة فيها ولا بلية، فهي على الدوام والبقاء؛ لذلك كان ما ذكر.