فِيهِ يَعْرُجُونَ (١٤) لَقَالُوا إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا. . .) الآية.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ)، اختلف فيه:
منهم من قال: (سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ) أي: ماض، لم يزل الرسل - عليهم السلام - كانوا يأتون بمثله من السحر.
ومنهم من قال: (مُسْتَمِرٌّ) أي: قوي؛ مأخوذ من المِرَّة، وهي القوة، وأصل المرة: الفتل.
ومنهم من قال: (مُسْتَمِرٌّ) أي: ذاهب؛ يذهب ويتلاشى ولا يبقى.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَكَذَّبُوا وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ وَكُلُّ أَمْرٍ مُسْتَقِرٌّ (٣) يحتمل كذبوا الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - وما أتى به من الآية على الرسالة.
ويحتمل: وكذبوا بالتوحيد (وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ) يخبر أنهم إنما كذبوا ما ذكر باتباع أهوائهم، لا بحجة وبرهان.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنَ الْأَنْبَاءِ مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ (٤) حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ ... (٥) يحتمل قوله: (وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنَ الْأَنْبَاءِ مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ) وجاءتهم - أيضًا - حكمة بالغة، وهي القرآن.
ويحتمل أن يكون معناه: (وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنَ الْأَنْبَاءِ مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ) وفي تلك الأنباء حكمة بالغة.
ثم الأنباء التي فيها مزدجر حكمة بالغة، وهي ما ذكر في هذه السورة من أنباء عاد، وثمود، وقوم لوط، وقوم نوح، وموسى، فقد جاءهم أنباء هَؤُلَاءِ، وعرفوا ما نزل بهم من العذاب والإهلاك، وبأي شيء نزل بهم، وهو تكذيب الرسل - عليهم السلام - ليرتدعوا عن مثل صنيعهم، فلا يلحقهم مثل ما يلحق أُولَئِكَ، وفي ذلك حكمة بالغة، والبالغة هي النهاية في الأمر؛ يقال: فلان بالغ في العلم: إذ انتهى في ذلك نهايته.
وقَالَ الْقُتَبِيُّ: مزدجر: أمر متعظ.
وقال أَبُو عَوْسَجَةَ: مزدجر: أي: زاجر.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَمَا تُغْنِ النُّذُرُ).
يقول - واللَّه أعلم -: قد جاءهم ما ذكر من الأنباء التي فيها مزدجر وإنذار، فلم يزجرهم ذلك، ولم ينفعهم، فأنَّى تغني النذر لهم؟ ومن أين تنفعهم النذر؟ أي: لا