أي: فإنهم جميعًا عدو لي إلا مَن عَبَدَ رب العالمين.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: يقول: إن العابد والمعبود كلهم عدو لي إلا رب العالمين، أي: إلا المعبود بالحقيفة الذي يستحق العبادة، فإنه وليي.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: ليس على الاستثناء، ولكن على الابتداء؛ كأنه قال: أنتم وآباؤكم الأقدمون فإنهم عدو لي، ولكن ربي: (الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ (٧٨) وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ (٧٩) وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ (٨٠) وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ (٨١) وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ (٨٢) ذكر هذا لهم أن الإله المستحق للعبادة هو هذا الذي يصنع هذا، وهو المالك للنفع ودفع الضر، لا الأصنام التي عبدتم أنتم وآباؤكم.
وقوله: (رَبِّ هَبْ لِي حُكْمًا (٨٣) قَالَ بَعْضُهُمْ: فهما وعلما، وجائز أن يكون إبراهيم سأل ربه الإبقاء على الحكم؛ إذ كان قد أعطاه العلم والحكم؛ كقوله: (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ).
أو سأل الزيادة على ما أعطاه؛ كقوله: (وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا).
ويحتمل أن يكون سأل ربه قبول حكمه في الخلق، ورفع الحرج له عن قلوبهم على ما ذكر في حكم رسول اللَّه؛ حيث قال: (فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ. . .) الآية.
وقوله: (وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ) أي: توفني على ما توفيت الصالحين حتى ألحق بهم، هذا - واللَّه أعلم - يعني: آله؛ الإلحاق بالصالحين: أن يتوفاه على الذي توفي أُولَئِكَ - وهو الإسلام - ليلحق بهم، واللَّه أعلم.
وقوله: (وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ (٨٤)
أي: اجعل لي الثناء الحسن في الناس، وكذلك إبراهيم - صلوات اللَّه عليه - جميع أهل الأديان على اختلافهم قد انقادوا له وانتسبوا إليه، وادعوا أنهم على دينه، وأن دينه هو الذي هم عليه ليس من أهل ملة إلا وهم يتولونه.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَاجْعَلْنِي مِنْ وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ (٨٥) أي: اجعلني باقيا من بعد موتي في جنة النعيم؛ إذ الوارث هو الباقي عن الموروث؛ وكذلك تأويل قوله: (إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا)، أي: نبقى بعد فناء أهلها؛ إذ الوارث هو الباقي؛ فعلى ذلك قول إبراهيم: اجعلني من الباقين في جنة النعيم، واللَّه أعلم.
وقوله: (وَاغْفِرْ لِأَبِي إِنَّهُ كَانَ مِنَ الضَّالِّينَ (٨٦) لا يحتمل أن يكون استغفار إبراهيم لأبيه -