للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وجهة الاستدلال الوجوه التي ذكرنا.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا (٢).

ذكر أهل التأويل أنه كان قبل ذلك يدخل واحدًا واحدًا، فلما كان فتح مكة، جعلوا يدخلون دينه أفواجا أفواجا، وقبيلة قبيلة.

ويحتمل ما ذكرنا من سائر الفتوح، أي: فتوح الأمور التي ذكرنا، على ما روي عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: " نصرت بالرعب مسيرة شهرين، شهرا أمامي، وشهرا ورائي ".

ثم في قوله: (إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ. وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا) الآية، نعي لرسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - من وجوه، وقد ذكر في الأخبار: أنه نعى إليه نفسه بهذه السورة.

أحدها: ما ذكرنا من جهة الاستدلال عرف أنه قد دنا أجله؛ حيث أتم ما أمر به، وفرغ منه: من التبليغ والدعاء.

والثاني: عرف ذلك اطلاعا من اللَّه تعالى، أطلعه عليه بعلامات جعلها له؛ ففهم رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - ما لا يدرك أفهامنا ذلك.

والثالث: لما كفى مؤنة القيام بالتبليغ بنفسه بدخول الناس في الدِّين جماعة جماعة، وكان قبل ذلك يقوم بنفسه، عرف بذلك حضور أجله، وهو نوع من الدلالة.

ووجه الدلالة: أن القوم لما دخلوا في دين اللَّه فوجا فوجا؛ دل ذلك على ظهور الإسلام وكثرة أهله؛ فكانت الغلبة والنصر دليل الأمن من الزوال عما هم عليه من الدِّين إذا زال الرسول.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ ... (٣) قال بعض أهل التأويل: أي: صل بأمر ربك، وأصله: ما ذكرنا فيما تقدم: أن التسبيح هو التنزيه، والتبرئة عن جميع معاني الخلق، والوصف بما يليق به، قال: نزهه وبرئه بالثناء عليه، وصفه بالصفات العلا، وسمه بالأسماء الحسنى التي علمك ربك.

ويحتمل أن يكون معنى قوله: (فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ)، أي: قل: " سُبْحَانَ اللَّهِ وبحمده " على ما جاء في الأخبار أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - كان يكثر في دعائه " سُبْحَانَ اللَّهِ وبحمده، وأستغفر

<<  <  ج: ص:  >  >>