أي: ما اختلفوا فيه إلا من بعد ما جاءتهم البينات والعلم، إما من جهة العقل، وإما من جهة السمع والكتب والخبر، وإما من جهة المعاينة والمشاهدة لكنهم تعاندوا وكابروا وكفروا به بغيًا.
وقوله: (بغيَا بَينَهُمْ).
قيل: (بَغيَا بَينَهُمْ)، أي: حسدًا بينهم.
وقيل: (بغيَا بَينَهُمْ)، ظلمًا منهم، ظلموا محمدًا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -.
وقوله: (فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ).
تأويله - واللَّه أعلم - أي هدى اللَّه الذين آمنوا، ولم يختلفوا من بين الذين اختلفوا.
ويحتمل: هدى اللَّه من أنصف ولم يعاند، ولم يهد الذين عاندوا ولم ينصفوا.
وقوله: (بِإِذْنِهِ)، قيل: بأمره، وقيل: بفضله.
لكن قوله: (بِإِذْنِهِ)، بأمره، لا يحتمل، ولكن (بِإِذْنِهِ)، أي: بمشيئته وإرادته.
وقوله: (وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ).
فيه دلالة أنه من شاء أن يهتدي فاهتدى، ومن لم يشا أن يهتدي لم يهتد؛ لأنه لو كان شاء أن يهتدوا جميعًا أنه من شاء أن يهتدوا جميعًا، على ما يقوله المعتزلة، لكان يقول: واللَّه يهدي إلى صراط مستقيم، ولم يقل: (مَنْ يَشَاءُ)، فدل قوله: (مَن يَشَآءُ)، على أنه شاء إيمان من آمن، ولم يشأ إيمان من لم يؤمن، فالآية تنقض على المعتزلة قولهم: إنه شاء أن يؤمنوا، لكن آمن بعضهم ولم يؤمن البعض.
وفي قوله: (فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ)، دلالة على ألا يفهم من البعث والإتيان والمجيء الانتقال من مكان إلى مكان، ولا الزوال من موضع إلى موضع؛ لأنه ذكر البعث، وهم كانوا بين ظهرانيهم، فدل أنه يراد الوجود، لا غير.
وقوله: (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ (٢١٤)
قيل: معنى قوله: (أَمْ حَسِبْتُمْ)، على إسقاط " الميم ".