إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ)، يعني: أصنافا.
ثم خص اللَّه تعالى صنفا ببعث الرسل إليهم وإنزال الكتب عليهم من بين غيرها من الأصناف تفضيلًا لهم وإكرامًا، وبعث كل رسول إلى قومه فيهم كفار وفيهم مؤمنون؛ لأن الأرض لا تخلو من ولي أو نبي، كقوله تعالى: (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ)، ليعلموا أن سائر أصناف الخلق خلقوا لهم ولحاجاتهم. وهو قول الحسن.
وكذلك قول أبي حنيفة - رضي اللَّه تعالى عنه -: أن الأرض لا تخلو عن نبي أو ولي. واللَّه أعلم.
وقوله: (فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ)، لمن أطاعه، (وَمُنْذِرِينَ)، لمن عصاه.
وجائز أن تكون البشارة والنذارة جملة عن الوقوع بما به يقعان مختلف؛ كقوله تعالى: (إِنَّمَا تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ)، وقوله: (لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا).
وقوله: (وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ)
يحتمل قوله: (لِيَحْكُمَ)، وجهين:
يحتمل: (لِيَحْكُمَ)، الكتاب المنزل عليهم بالحق فيما بينهم، وهو كقوله تعالى: (وَهَذَا كِتَابٌ مُصَدِّقٌ لِسَانًا عَرَبِيًّا لِيُنْذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَبُشْرَى لِلْمُحْسِنِينَ (١٢).
وقرأ بعضهم: (لِيَحْكُمَ)، بالياء، وقرأ آخرون: " لتحكم "، بالتاء.
فمن قرأ بالياء جعل الكتاب هو المنذر.
ومن قرأ بالتاء صير الرسول هو المنذر؛ فكذلك في هذا: ليحكم الكتاب بينهم بالحق، وليحكم الرسول بالكتاب فيما بينهم بالحق.
وقوله: (فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ)
يحتمل قوله: (فِيهِ) وجوهًا:
يحتمل: (فِيهِ)، في مُحَمَّد - صلى الله عليه وسلم -.
ويحتمل: (فِيهِ)، في دينه.
ويحنمل: (فِيهِ)، في كتابه.
وقوله: (وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ)