للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ويحتمل معكم في الوعد الذي وعد؛ أي: ينجز ما وعد لكم في الدنيا ويفي بذلك.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ) اختلف فيه:

قَالَ بَعْضُهُمْ أي: لن يجعل اللَّه للكافرين عليكم مظلمة ولا تبعة، وهو يحتمل في الدنيا والآخرة؛ كقوله - تعالى -: (وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا).

وقَالَ بَعْضُهُمْ: (وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ) أي: لن ينقصكم أعمالكم، وكذا قال أبو عَوْسَجَةَ؛ يقال: وتره: أي: نقصه.

وقَالَ بَعْضُهُمْ: لن يظلمكم أعمالكم؛ يقال: وترني حقي، أي: بخسنيه، كذلك قال الْقُتَبِيّ، ولكن كلاهما واحد في المعنى، أي: لا ينقص من أعمالهم شيئا، ولا يظلمون فيها، ولا يبخسون، واللَّه أعلم.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (إِنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ وَلَا يَسْأَلْكُمْ أَمْوَالَكُمْ (٣٦) أي: حياة الدنيا على ما عندهم وعلى ما يقدرون لعب ولهو؛ لأنهم كانوا يقولون أن لا بعث ولا حياة فعلى ما عندهم تكون حياة الدنيا على ما ذكر من اللهو.

ويحتمل أنه سماها: لهوًا ولعبا؛ لأنهم على ما يزعمون أنشأها للانقطاع والفناء، لا لتكتسب بها الحياة الدائمة في الآخرة؛ وإنشاء الشيء للانقطاع والفناء خاصة بلا عاقبة تقصد يكون لعبًا ولهوًا، ثم اللعب واللهو يجوز أن يكونا شيئا واحدًا، ويجوز أن يكون أحدهما ما يستمتع بظاهر الأشياء، والآخر ما يستمتع بباطن الأشياء: اللعب هو ما يستمتع بظواهر الأشياء، واللهو هو ما يتلهى ببواطنها، واللَّه أعلم.

وقوله - تعالى -: (وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ) أي: وإن تؤمنوا بما أمرتم الإيمان به وتتقوا عما نهيتم عن مخالفة أمره - (يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ): جعل اللَّه - عَزَّ وَجَلَّ - بفضله ورحمته لأعمالهم التي يعملون لأنفسهم أجرًا؛ إذ لا أحد يعمل لنفسه ويأخذ الأجر من غيره؛ لأنهم بالأعمال يسقطون عن أنفسهم التكليف بالشكر لنعم اللَّه - تعالى - حيث أسدى عليهم النعم ابتداء، لكنه جعل لأعمالهم أجرًا كأنهم يعملون له ابتداء، وإن كانوا عاملين لأنفسهم في الحقيقة، وإليه ترجع منافع أعمالهم، ولأن أنفسهم وأموالهم - في الحقيقة - لله - تعالى - فكيف يستحقون الأجر على مولاهم بأعمالهم؟ وهذا كما ذكرنا من الإقراض له والاستدانة منه كأنه لا ملك له في ذلك، وأن ليس له ذلك، وإن كانت حقيقة أملاكهم وأنفسهم لله - تعالى - فضلا منه وكرمًا، فعلى ذلك هذا، واللَّه أعلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>