تتلى عليهم آيات القرآن بعدما آمنوا (خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا).
ويشبه أن يكون هذا في أُولَئِكَ الذين ذكر أنه أنعم عليهم كانت لهم آيات في كتبهم فيها سجود إذا تليت عليهم خروا لله سجدًا وبكيًّا.
أو أن يكون لا على حقيقة السجود، ولكن على الخضوع له والقبول لحججه وبراهينه التي تليت عليهم، أو أن يكونوا لا يملكون أنفسهم إذا رأوا آيات اللَّه وسلطانه، ولكن وقعوا سجدًا على ما أخبر عن سحرة فرعون عند معاينتهم الآيات، حيث قال:(فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّدًا)، (فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ)، ليس أن سجدوا له، ولكن يلقون سجدًا لما لا يملكون أنفسهم عند معاينتهم الآيات.
قال أَبُو عَوْسَجَةَ:(وَبُكِيًّا)، فيه ثلاث لغات: بُكِيًّا، وبَكِيًّا، وبِكِيًّا، وهو جماعة الباكي.
ويحتمل قوله:(إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا): أن يكون كناية عن الصلاة، وصفهم - عَزَّ وَجَلَّ - أنهم كانوا يكونون في الصلاة خاشعين باكين.
ثم قال:(فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ)، أي: خلف من بعد أُولَئِكَ الذين وصفهم - عَزَّ وَجَلَّ - بالصلاة لله، والخشوع لله فيها، والبكاء، (خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ)، أي: جعلوها لغير اللَّه، وهي الأصنام التي كانوا يعبدونها، فإذا جعلوها وصرفوها إلى غير الذي يصلي إليه أُولَئِكَ فقد أضاعوها؛ لأنهم كانوا يصلون للأصنام الصلاة التي كان يصلي أُولَئِكَ لله.
ويحتمل أن يكون قوله:(أَضَاعُوا الصَّلَاةَ)؛ لأن الصلاة هي آخر ما يترك ويضيع؛ لأنه روى في الخبر أنه قال:" سَيُنقَضُ عُرَى الإسْلامِ عُروةً فَعُروَة، أوَّلُها الأمانة، وآخِرُها الصَّلَاة ".