الذي فقد الحوت فيه، إذ ذلك المكان هو مكان علم وجود ذلك الرجل الذي أمر موسى بالمصير إليه.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: اقتفيا أثر الحوت في الماء، لكن الأول أشبه؛ لأن في الآية ذكر آثارهما لا ذكر أثر الحوت.
وقوله: (فَوَجَدَا عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا (٦٥)
يحتمل قوله: (رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا) النبوة؛ حيث قال لموسى: (إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا): لا يحتمل أن يقول له هذا إلا على علم وحي، وحيث قال: (وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي): أخبر أنه لم يفعل ما فعل عن أمر نفسه، ولكن أمر اللَّه، واللَّه أعلم.
ويحتمل قوله: (رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا) كل خير وبركة أعطاها اللَّه إياه.
أو أن يكون رحمة القلب والشفقة التي كانت منه على أهل السفينة؛ بخرقها، وقتل ذلك الغلام الذي قتله؛ إشفاقًا منه على والديه أو على الناس، وإقامة الجدار الذي كاد أن ينقض فأقامه، وأمثاله.
وقوله: (وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا): هو ظاهر.
وقوله: (قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا (٦٦)
في قوله: (هَلْ أَتَّبِعُكَ) دلالة أنه كان على سفر، ولم يكن مقيمًا في ذلك المكان، ومن يتعلم من آخر علمًا فإنه يتبعه حيث يذهب هو في حوائجه لا يؤمر بالمقام حيث يقيم المتعلم؛ لأنه قال: (هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ).
وقوله: (مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا).
يحتمل: أي: أرشدني إلى ما علمت، أو تعلمني مما علمت من الرشد والصواب.
وقوله - تعالى -: (إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا (٦٧)
بما ترى مني من الأمور ما يخرج في الظاهر مخرج المناكير.
أو يقول: إنك نبي ورسول، والرسول إذا رأى منكرا في الظاهر لا يسع له ترك الإنكار عليه والتغيير، وأنت لا تصبر على ما ترى مني؛ لما لم تعرف سببه؛ ألا ترى أنه وسع له الإنكار عليه والتغيير؛ حيث قال له: (وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا (٦٨).
أي: ما لم تعلم علمًا، واللَّه أعلم.
وقوله: (سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا (٦٩)
يحتمل أن الثنيا منه على الأمرين جميعًا على الصبر الذي وعد، وعلى قوله: (وَلَا