ويشبه أن يكون على حقيقة الوصف له بالحلم والرشد؛ لأنهم لم يأخذوا عليه كذبا قط، ولا رأوه على خلاف ولا على سفَاهة قط؛ فقالوا:(إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ)، أي: كنت هكذا؛ فكيف تركت ذلك، وهو ما قال قوم صالح لصالح حيث قالوا:(قَدْ كُنْتَ فِينَا مَرْجُوًّا). وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقًا حَسَنًا وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ (٨٨) أي: على علم وبيان وحجج وبرهان من ربي، على ما ذكرنا فيما تقدم، أي: تعلمون أني كنت على بيان من ربى وحجج، (وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقًا حَسَنًا): يحتمل هذا منه مكان ما قال أُولَئِكَ الأنبياء: (وَآتَانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ) أي: قال شعيب: (وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقًا حَسَنًا)، الدِّين والهدى، والنبوة على ما ذكر وأمكن أن يكون الرزق الحسن هو الأموال الحلال الطيبة التي لا تبعة عليه فيها فقال ذلك؛ وما رزق أُولَئِكَ عليهم تبعة في ذلك؛ لأنهم اكتسبوها من وجه لا يحل.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ) من الناس من يقول: قال لهم ذلك بإزاء ما قالوا فيما ذكر في الأعراف: (لَنُخْرِجَنَّكَ يَا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا) يقول: أدعوكم إلى الإيمان باللَّه والتوحيد له، وأنهاكم عن الكفر به، ثم أرتكب ما أنهاكم عنه، وأترك ما أدعوكم إليه؟!
وقال قتادة: لم أكن لأنهاكم عن أمر وأرتكبه، وهو واحد (إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ) أي: ما أريد إلا الإصلاح لكم ما استطعت، وفيه دلالة على أن الاستطاعة تكون مع الفعل لا غير، أما أن يكون أراد: استطاعة الإرادة أو استطاعة الفعل، فكيفما كان، فقد أخبر أنه يريد لهم من الصلاح ما استطاع، ففيه ما ذكرنا، وهو ينقض على المعتزلة مذهبهم؛ لأنهم يقولون: الاستطاعة تتقدم على الفعل، وهي لا