لذهبت فائدة العصمة، ولا حاجة تقع إليها، فدل أن العصمة تزيد في المحنة، ومع المحنة يحتاج إليها وينتفع بها.
ويحتمل أن يكون الخطاب بالآية غيره، كل ظان يظن باللَّه الغفلة عن ظلم الظالم؛ وهو كما خاطب بقوله:(يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ)، إنما خاطب به كل غارٍّ بربه الكريم لا كل إنسان، فعلى ذلك خاطب بقوله:(وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ) وكل ظان باللَّه الغفلة عن ظلم الظالمين، ثم إن الذي حملهم على الظن باللَّه الغفلة عن ظلم الظالم - حلمه، وتأخيره العذاب عنهم عن وقت ظلمهم، وترك أخذهم بذلك: فمنهم من ادعى الغفلة عن ذلك؛ لما رأوا من عادة ملوك الأرض أن من ظلم أحدًا منهم انتقم منه في أعجل وقت يقدر على الانتقام منه؛ فحمل تأخير الله العذاب منهم؛ والانتقام منهم - على القول بالغفلة. ومنهم من ادعى الرضا؛ بما اختاروا هم من الشرك والكفر باللَّه، وادعوا الأمر بذلك؛ لما لم يأخذهم ولم يستأصلهم بصنيعهم؛ فاستدلوا بذلك على رضاه بفعلهم، وأمره إياهم بذلك. فأخبر رسوله أن تأخيره العذاب عنهم وإمهاله إياهم - ليس عن غفلة عنه، ولا عن سهو، ولا لرضاه به وأمره ولكن إنما يؤخرهم ليوم، ثم وصف ذلك اليوم؛ لشدة فزعه وهوله فقال.
قَالَ بَعْضُهُمْ: هذا كله يرجع إلى الطرف والبصر؛ يقول: شاخصة أبصارهم مهطعين: ناظرين إليه؛ أي: إلى الداعي، مقنعي رءوسهم: رافعي رءوسهم، لا يرتد إليهم طرفهم؛ لهول ذلك اليوم، هذا كله يصرفون إلى الأبصار دون النفس؛ لأن الإهطاع والإقناع: هو للنظر ولشخوص الأبصار.
ومنهم من صرف قوله:(تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ)، و (لَا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ) إلى البصر، وصرف قوله:(مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ) إلى الأنفس؛ وهو ما ذكر في موضع آخر:(مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ)، أي: مسرعين إليه الإجابة؛ رجاء التخلص والنجاة عما حل بهم؛ بترك الإجابة.