قَالَ بَعْضُهُمْ: تقبل دعائي في إقامة الصلاة لنفسه وذريته؛ لكن لا يجب أن يخص دعاء من الدعوات التي سأل ربه؛ وقد دعا ربه بدعوات كثيرة؛ نحو ما قال:(وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ)، وقوله:(رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ)، وقال:(رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ)، وغير ذلك من الدعوات.
قال الحسن: إن أمَّه كانت مسلمة، وأما أبوه: فكان كافرًا؛ لأنه قال:(وَاغْفِرْ لِأَبِي إِنَّهُ كَانَ مِنَ الضَّالِّينَ)، فخص والده بالضلال؛ دل أن أمه كانت مسلمة؛ لكنا لا نعلم ما حال الأم: أمه كانت مسلمة أو كافرة، وأما أبوه فهو لا شك أنه كان كافرًا.
ثم لا يحتمل دعاؤه لوالديه؛ وهما كافران؛ إن كانت أمه كافرة؛ إلا على إضمار الإسلام؛ أي: اغفر لهما إن أسلما، أو أن يكون سؤاله المغفرة لهما سؤال الإسلام نفسه، أو أن يكون طلب منه الستر عليهما في الدنيا، وألا يفضحهما ولا يخزيهما، لكنه سأل المغفرة يوم يقوم الحساب. ولا يحتمل طلب الستر إلا أن يفصل بين قوله:(رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ) ووبين قوله: (وَلِلْمُؤْمِنِينَ) يبتدئ بالمؤمنين يوم يقوم الحساب، وقد ذكرنا هذا فيما تقدم ودعاء إبراهيم وسؤاله المغفرة لوالديه يكون سؤال السبب؛ الذي يستحقان به المغفرة من ربها، ويكونان أهلا لها؛ وهو التوحيد ومعرفة المولى؛ وهو ما ذكرنا في أمر نوح قومه الاستغفار له، وكذلك قول هود؛ حيث قال:(وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ. . .) الآية، وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ).
يحتمل قوله:(يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ): بالعدل؛ يقول الرجل لآخر: أقم حسابي أي: اعْدل فيه. وإقامة الحساب: العدل فيه؛ على ما توجبه الحكمة، لا يزاد ولا ينقص؛ كقوله:(وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ)، قَالَ بَعْضُهُمْ:(يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ): يوم يحاسبون، قيام الحساب: هو المحاسبة نفسها واللَّه أعلم.