للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

رقبته وإعتاقها. ولا قوة إلا باللَّه.

وفي قوله: (كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ) دلالة جواز تأخير البيان؛ لأنه أمر بالتفكر والتدبر، وجعل لهم عند الفكر الوصول إلى المراد في الخطاب، فدل أنه يتأخر عن وقت قرع الخطاب السمع.

وقوله: (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلَاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ (٢٢٠)

كأن في السؤال إضمارًا؛ لأنه قال: (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى)، ولم يبين في أي حكم، وإضماره - واللَّه أعلم - أن يقال: يسألونك عن مخالطة اليتامى. يبين ذلك قوله: (وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ) أن السؤال كان عن المخالطة.

وكذلك قوله: (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ)، ولم يبين في أي حكم، فكأنه قال: يسألونك عن شرب الخمر والعمل بالقمار والميسر، ثم قال: (قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ)، دل قوله: (قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ) أن السؤال كان عن شرب الخمر والعمل بالميسر. وهذا جائز في اللغة، وفي القرآن كثير أن يكون في الجواب بيان السؤال أنه عما كان وإن لم يذكر في السؤال؛ كقوله: (يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ) دل ما ذكر من الفتيا أن الاستفتاء كان عن الميراث. وكذلك قوله: (وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ فِي يَتَامَى النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْوِلْدَانِ وَأَنْ تَقُومُوا لِلْيَتَامَى بِالْقِسْطِ)، دل قوله: (وَأَنْ تَقُومُوا لِلْيَتَامَى بِالْقِسْطِ) أن السؤال كان عن نساء اليتامى. وهذا جائز، وربما يخرج الجواب على إثر نوازل، فيعرف مراده بالنوازل دون ذكر السؤال.

ثم السؤال يحتمل وجهين:

يحتمل: أن يكون عن مخالطة الأموال والأنفس جميعًا بقوله: (قُلْ إِصْلَاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ)، فإنما حملهم - واللَّه أعلم - على سؤال المخالطة، ما قيل: لما نزل قوله: (إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا)، وقوله: (فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا) أشفق المسلمون من خلطة اليتامى، فعزلوا لهم بيتا، وعزلوا طعامهم وخدمهم وثيابهم، فشق ذلك عليهم جميعًا، فسألوا عن ذلك رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - فنزلت هذه

<<  <  ج: ص:  >  >>