اللَّه "؛ إذ لا يفتتح شيء إلا به؛ فذلك تعوذهم منه، لكن التعوذ في هذا تعوذ بكناية، والتعوذ في قراءة القرآن بالتصريح؛ وذلك أنه حجة وبرهان؛ فطعن الأعداء فيما هو حجة في نفسه أكثر من الأفعال التي فعلوها؛ ألا ترى أنه كان يلقنهم - أعني الشيطان وأولياءه - أنه سحر، وأنه: أساطير الأولين، وأنه إنما يعلمه بشر، ونحوه. وقوله:(وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ): كانوا يطلبون الطعن في القرآن؛ لأنه حجة وبرهان، ولم يشتغلوا في طعن فعل من الأفعال أو ذكر من الأذكار؛ فعلى ذلك يجوز أن يكون التعوذ منه - فيما هو حجة - بالتصريح، وفي غيره بكناية، واللَّه أعلم.
ثم في هذه الآية، وفي غيرها من قوله:(إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ)، وقوله:(فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ) - لم يفهم أهلها منها على ظاهر المخرج؛ ولكن فهموا على مخرج الحكمة؛ لأن ظاهر المخرج أن يفهم التعوذ بعد فراغه من القراءة، وكذلك يفهم من الأمر بالقيام إلى الصلاة الوضوء بعد القيام إليه، ثم لم يفهموا - في هذا ونحوه - هذا؛ ولكن فهموا: إذا أردت قراءة القرآن فاستعذ باللَّه، وكذلك فهموا من قوله:(إِذَا قُمْتُمْ) أي: إذا أردتم القيام إلى الصلاة (فَاغسِلُوا)، ولم يفهموا كل قيام؛ إنما فهموا قيامًا دون قيام، أي: إذا أردتم القيام إلى الصلاة وأنتم محدثون، وفهموا من قوله:(فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ)، وفهموا من قوله:(فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا)، وكذلك فهموا من قوله:(فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلَاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ) - الفراغ منها؛ دل أن الخطاب لا يوجب المراد والفهم على ظاهر المخرج؛ ولكن على مخرج الحكمة والمعنى.
وأصل التعوذ هو الاعتصام باللَّه من وساوس عدوه وكيده.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: السلطان: الحجة، أي: ليس له حجة على الذين آمنوا.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: أي ليس له ملك على الذين آمنوا - ملك القهر والغلبة - إنما ملكه على الذين يتولونه، لكن ليس له ملك القهر على الذين يتوتونه أيضا؛ إنما يتبعونه ويطيعونه