قال - رحمه اللَّه -: كان هذه السورة من أولها إلى آخرها إلا آيات منها؛ وهي قوله: قوله تعالى: (كَلَّا بَلْ تُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ (٢٠) وَتَذَرُونَ الْآخِرَةَ (٢١) وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (٢٢) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ) - نزلت في تبيين معاملة واحد من الكفرة على الإشارة إليه مع رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -، يشترك في حكم من يشاركه في معاملته، فأمر اللَّه تعالى نبيه - عليه السلام - أن يعامله ويستقبله بالذي يحق على الحكماء معاملة السفهاء، ولم يأمره أن يعامله معاملة مثله من السفهاء، وبين معاملَته في هذه السورة؛ ليعلم أمته ما لقي رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - من الجهد والبلاء في إظهار دين الله تعالى، فيعلموا قدره ومنزلته، ويعظموا دين اللَّه تعالى بما نالوه سمحا سهلا، وأمره أن يتعامل معه معاملة من يرجع إلى المنعة والشوكة بقوله:(أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى. ثُمَّ أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى)، واللَّه أعلم.
ويحتمل أن يكون على الردع والرد؛ أي: لا تفعل مثل هذا؛ فإنك ستندم في الوقت الذي قال:(إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ)؛ كأنهم سألوا رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - عن وقت ندمه، فبين لهم ذلك بقوله تعالى:(إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ)، والتراقي: هي عروق العنق، كأنه يقول: حين تزول النفس، أي: الروح عن مكانها، وتنتهي إلى التراقي.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ (٢٧) جائز: أن يكون الملائكة هم الذين يقولون هذا، فيقول بعضهم: من يرقى بروحه: أملائكة الرحمة أم ملائكة العذاب؟ مِنْ رقي يرقى، أي: صعد. أو: مَن يقبض روحه؟
ويحتمل أن يقول أهله: من الذي يرقيه رقية فيشفى؟ فيكون فيه إخبار عما حل به من الضعف والشدة؛ أنه يمتنع عن أن يقول: ادعوا لي راقيا لعلي أُشفَى؛ فيكون أهله هم الذين يقولون هذا فيما بينهم.