للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

تعالى: (بَلِ الْإِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ)، أي: بل الإنسان من نفسه بصيرة، أي: شاهدة؛ فشهدت كل جارحة منهم على وحدانية اللَّه وألوهيته.

ألا ترى أنه قال: (يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)؛ هذا - واللَّه أعلم - لأنهم كانوا يقلدون آباءهم في عبادة الأوثان والأصنام، ويقولون: (مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى)، (هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ)؛ فيقول: (قَدْ جَاءَكُمْ بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ) من الآيات والرسل ما لو اتبعتموهم، لكانوا لكم شفعاء عند اللَّه.

والثاني: (قَدْ جَاءَكُمْ بَصَائِرُ): ما لو تفكروا وتدبروا ونظروا فيها، لعرفوا أنها بصائر من اللَّه؛ لأن البشر أنشئوا بحيث ينظرون في العجيب من الأشياء؛ فكانوا على أمرين: منهم من نظر وتفكر وعرف أنها بصائر، لكنه عاند وكابر ولم يعمل بها، ومنهم من ترك النظر فيها؛ فعمي عنها، ما لو تفكروا ونظروا لتبين لهم.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا).

أي: أبصر الحق والهدى وعمل به، فلنفسه عمل، ومن أبصر وعمي عنها - أي: ترك العمل - فعليها ترك؛ كقوله: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا).

فَإِنْ قِيلَ: ذكر في آية أخرى: (لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ) أخبر أن من هلك هلك عن بينة، ومن حي حي عن بينة، وهاهنا يقول: (فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا): ذكر عمي عليها؛ فكيف وجه التوفيق بينهما؟!

قيل: يحتمل قوله: (عَمِيَ) بعد ما تبين له، فترك العمل به؛ فعليها ذلك؛ لأنه أبصرها، وعرف أنها من اللَّه، لكنه عاندها وكابرها.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ).

أي: قد جاءكم بصائر من ربكم، فليس علينا إلا التبليغ؛ كقوله: (مَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ).

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَكَذَلِكَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ ... (١٠٥)

أي: نردّها في الوجوه التي تتبين لقوم يطلبون البيان.

أو نقول (نُصَرِّفُ الْآيَاتِ)، أي: نضع كل آية ونصرفها إلى الوجوه التي تكون بالخلق

<<  <  ج: ص:  >  >>