للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقال أصحابنا: المشيئة مشيئة الاختيار، وقد ذكرناها في غير موضع.

وقوله: (فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ).

قيل: سابقوا يا أمة مُحَمَّد الأمم كلها بالخيرات.

ويحتمل قوله: (فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ).

أي: سابقوا إلى ما به تستوجبون المغفرة؛ كقوله: (سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ).

وأصل قوله: (فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ)، أي: اعملوا الخيرات؛ كقوله: (وَاعْمَلُوا صَالِحًا. . .) الآية.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ ... (٤٩)

نهى رسوله - عليه السلام - أن يتبع أهواءهم - على العلم: أنه لا يتبع أهواءهم - والوجه فيه ما ذكرنا: أن العصمة لا تمنع النهي؛ بل تؤيد، وقد ذكرنا فيما تقدم.

ويحتمل أن يرجع النهي إلى غيره، ويراد بالنهي والأمر: غير المخاطب به؛ على ما ذكرنا من عادة الملوك: أنهم إذا خاطبوا، خاطبوا من هو أجل عندهم وأعظم قدرًا، وأرفع منزلة؛ فعلى ذلك هذا. وقوله: (وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ) فيما غيروا وبدلوا؛ هذا يحتمل.

ويحتمل ألا تتبع أهواءهم: فيما طلبوا منك من الجلد مكان الرجم، أو الدية مكان القصاص؛ لما رأى بنو النضير لأنفسهم من الفضل على بني قريظة، واللَّه أعلم.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ).

قوله: (أَنْ يَفْتِنُوكَ)، أي: يصدوك عن الحكم ببعض ما أنزل اللَّه إليك، والفتنة هي المحنة، وهي تتوجه إلى وجوه، وقد ذكرنا الوجوه فيه فيما تقدم.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ).

قوله: (فَإِنْ تَوَلَّوْا): فإن أعرضوا، عن الحكم الذي تحكم بما أنزل اللَّه؛ (فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ)، اختلف فيه:

قَالَ بَعْضُهُمْ: إنما يعذبهم اللَّه ببعض ذنوبهم، لا يعذبهم بجميع ذنوبهم.

وقال آخرون: عذاب الدنيا عذاب ببعض الذنوب، ليس هو عذابًا بكل الذنوب؛ لأنه لا

<<  <  ج: ص:  >  >>