للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(وَلَكِنْ ذِكْرَى لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ).

يحتمل النهي عن القعود معهم وجهين.

أحدهما: نهى هَؤُلَاءِ عن القعود معهم لما كان أهل النفاق يجالسونهم، ويستهزئون بالآيات ويكفرون بها، فنهى هَؤُلَاءِ عن ذلك؛ ليرتدع أهل النفاق عن مجالستهم.

والثاني: أنه نهى المؤمنين عن مجالستهم؛ ليمتنعوا عن صنيعهم حياء منهم؛ لأنهم لو امتنعوا عن مجالستهم فيمنعهم ذلك عن الاستهزاء بها والكفر بها، لما كانوا يرغبون في مجالسة المؤمنين، فيتذكرون عند قيامهم عنهم، فيتقون الخوض والاستهزاء، ولا يخافون أن يعرفوا في الناس بترك مجالستهم المؤمنين، فيحملهم ذلك على الكف عن الاستهزاء بالآيات وبرسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِبًا وَلَهْوًا ... (٧٠) أي: وذر الذين اتخذوا لعبا ولهوا دينا؛ على التقديم والتأخير.

والثاني: اتخذوا اللعب واللهو دينهم؛ حتى لا يفارقوا اللعب واللهو؛ لأن الدِّين إنما يتخذ للأبد، فعلى ذلك اتخذ أُولَئِكَ اللعب واللهو للأبد كالدِّين.

ثم هو يخرج على وجوه:

أحدها: اتخذوا دينهم عبادة ما لا ينفع ولا يضر، ولا يبصر ولا يسمع ولا يعلم، ومن عبد من هذا وصفه، واتخذ ذلك دينا - فهو عابث لاعب.

والثاني: اتخذوا دينهم ما هوته أنفسهم، ودعتهم الشياطين إليه، ومن اتخذ دينه بهوى نفسه، وما دعته نفسه إليه - فهو عابث لاعب.

والثالث: صار دينهم لعبًا وعبثًا؛ لأنهم كانوا لا يؤمنون بالبعث، ومن لم يقصد بدينه الذي دان به عاقبة فهو عابث مبطل؛ كقوله - تعالى -: (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ

<<  <  ج: ص:  >  >>