الحمد لله الذي أنزل القرآن على عبده ليكون للعالمين نذيرًا، وجعله قيمًا لا عوج فيه مستقيمًا، ودعا إلى اتباعه، والسير على منهاجه.
وأشهد أن لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وحده لا شريك له، القائل:(وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ).
وأشهد أن محمدا عبد اللَّه ورسوله، وصفيه من خلقه وحبيبه، بلغ الرسالة وأدى الأمانة، وعلم الأمة القرآن، وقال:" خيركم من تعلم القرآن وعلمه "(١)، فصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه الطيبين الطاهرين، وبعد:
فالتفسير من أجل العلوم قدرًا، وأعلاها شرفًا وذكرا، وأعظمها أجرا، وأسناها منقبة، يملأ العيون نورًا، والقلوب سرورًا، والصدور انشراحًا، ويفيد الأمور اتساعًا وانفتاحًا، لا يفنى بكثرة الإنفاق كنزه، ولا يبلى على طول الزمان عزهُ، به تتعلق مصالح العباد في معاشهم ومعادهم؛ لذا كان أولى بالالتفات إليه، وأجدر بالاعتماد عليه؛ وكيف لا؟ وهو يتعلق بتفسير أعظم كتاب، وأضبط كتاب، وأهدى كتاب؛ القرآن الكريم الذي (لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ (٤٢).
ولقد قام سلفنا الصالح من كبار العلماء العاملين بجهود عظيمة في مجال تفسير القرآن الكريم، فعبدوا طرقه، ويسروا صعبه، وبينوا مسائله، راجين مرضاة اللَّه، طالبين رضاه، ملتمسين عفوه ومغفرته.
ومما لا شك فيهه أن دراسة التراث التفسيري متمثلا في تحقيق أمهات كتب التفسير، والعناية بها، والاطلاع عليها - يسهم كل ذلك بحظ وافر في التعرف على كتاب الله العظيم، وتفهم آياته، ومعرفة تعاليمه؛ مما ييسر العمل به. أضف إلى ذلك: التعرف على هذا التراث الضخم، والثروة التفسيرية الهائلة الكاشفة عن جهود علمائنا الأجلاء في خدمة القرآن الكويم.
لكل هذا آثرنا تحقيق كتاب " تأويلات أهل السنة " لأبي منصور الماتريدي؛ وذلك لأهمية هذا الكتاب في استخلاص مسائل العقيدة من آي الذكر الحكيم، وأيضًا لأن هذا
(١) أخرجه البخاري (٨/ ٦٩٢) في كتاب فضائل القرآن باب خيركم من تعلم القرآن وعلمه (٥٠٢٧) (٥٠٢٨)، وأخرجه أبو داود برقم (١٤٢٥)، والترمذي برقم (٩٠٧، ٩٠٨، ٩٠٩)، وابن ماجة برقم (٢١١)، والدارمي (٢//٤٣٧)، وأحمد في المسند (١/ ٥٨، ٦٩).