وقَالَ بَعْضُهُمْ:(وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ) تفسير قوله - تعالى -: (اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ) أي: يجتبي للهداية من ينيب إليه، فأمَّا من لم ينب إليه فلا يجتبيه للهداية، لكن المراد من الهداية - هاهنا - ليس هدى البيان؛ لأن هدى البيان قد كان عامًّا لمن أناب إليه ومن لم ينب، ولكن الهدى - هاهنا - هدى الرحمة، أو هدى النعمة، والنعمة سميّ التوحيد والإيمان مرة: رحمة؛ كقوله - تعالى -: (وَلَكِنْ يُدْخِلُ مَنْ يَشَاءُ فِي رَحْمَتِهِ)، وسمّاه: نعمة؛ كقوله:(صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ)، وسمَّاه: منَّة؛ كقوله - تعالى -: (بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ)، وسماه: نورًا؛ كقوله تعالى:(أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ)؛ فلذلك قلنا: إن الهدى المذكور - هاهنا - ليس هو هدى البيان، ولكن سواه، والله أعلم.
أحدها: أي: أنهم تفرقوا في رسول اللَّه مُحَمَّد - عليه أفضل الصلاة - بعدما جاءهم العلم في كتبهم أنه رسول؛ لما كانوا يجحدون نعته وصفته في كتبهم، لكنهم اختلفوا وتفرقوا؛ فآمن بعضهم به على ما وجدوه في كتبهم، وكفر بعضهم، وحرفوا ما في كتبهم من نعته وصفته، واللَّه أعلم.
والثاني: أي: (وَمَا تَفَرَّقُوا) فيما جاء به مُحَمَّد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - من الدِّين (إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ)؛ إذ الذي جاء به مُحَمَّد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - هو الذي وصى به نوحًا ومن ذكر من الأنبياء عليهم السلام.
ويحتمل أي:(وَمَا تَفَرَّقُوا) في الإيمان بالرسل والكفر بهم (إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ) أنهم على الحق، وأنهم رسل اللَّه مبعوثون إليهم، فتفرقوا، فآمنوا بالبعض، وكفروا بالبعض بغيًا بينهم.
ويحتمل: أي: (وَمَا تَفَرَّقُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ): أن الفرقة ضلالة وهلاك، وعن علم بالفرقة أنها ضلال وهلاك تفرقوا، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (بَغْيًا بَيْنَهُمْ) يحتمل: حسدًا بينهم؛ لما قيل: إنهم كانوا مؤمنين به قبل أن يبعث؛ لما وجدوا نعته وصفته في كتبهم ظنًا منهم أنه يبعث منهم، فلما بعث من غيرهم حسدوه وكفروا به واللَّه أعلم.
ويحتمل قوله:(بَغْيًا بَيْنَهُمْ) أي: عدوانًا وظلمًا يكون فيما بينهم ذلك التفرق.
وقوله:(وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ) أي: لولا كلمة سبقت من ربك في تأخير العذاب عنهم إلى وقت وإلا كانت الكلمة منه في تعجيل العذاب بهم،