الميت من الحي، وليس في الحي موت، ولكنه يخرج هذا من هذا على ابتداء الحياة فيه، وابتداء الموت فيه من غير أن كان فيه ما ذكر.
ثم اختلف فيه أهل التأويل:
قَالَ بَعْضُهُمْ: يخرج الناس والدواب والطير من النطف، (وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ) يعني: النطف (مِنَ الْحَيِّ) من الناس والدواب والطير.
وقَالَ بَعْضُهُمْ:(يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ) أي: المسلم من الكافر (وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ) أي: الكافر من المسلم.
ولكن يجيء على هذا أن يقول: يخرج من المسلم ما يكون كافرًا، ومن الكافر ما يصير مسلمًا؛ لأن ما يخرج لا يوصف بالإسلام، ولا بالكفر، ولا ينسب إلى واحد منهما وقت الخروج حتى يبلغ فيكون منه فعل الكفر أو فعل الإسلام، وقد ذكرنا هذا فيما تقدم، وفي الآيات التي تقدم ذكرها؛ من نحو قوله:(أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ مَا خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ. . .) الآية، وقوله:(أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ. . .) الآية، وأمثال ذلك مما يذكر ويخبر أُولَئِكَ الكفرة عن قدرته وسلطانه، وألزمهم ذلك.
وفي الآية نقض قول المعتزلة؛ لأنهم لا يملكون القدرة على فعل بعوضة، فلا يكون لهم الاحتجاج على أُولَئِكَ الكفرة في القدرة على الإعادة والإنشاء بعد ما صاروا رمادًا، أو كلام نحو هذا.
وقوله:(وَكَذَلِكَ تُخْرَجُونَ) أي: كذلك تبعثون وتحيون، كما أخرج الحيّ من الميت والميت من الحيّ، من غير أن كانت الحياة في الميت والموت في الحي، واللَّه أعلم.
وقوله:(أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ) ويخرخ على وجوه:
أحدها: نسب خلقنا إلى التراب؛ لأنا إنما خلقنا من أصل، خلق ذلك الأصل من التراب، وهو آدم، وإن لم تكن أنفسنا مخلوقة من تراب حقيقة، كما نسب خلقنا إلى النطفة وإن لم يخلق أنفسنا كما هي من النطفة، لكنه أضاف ذلك ونسب إلى النطفة؛ لما هي أصل ما خلقنا منها.
والثاني: نسبنا إلى التراب؛ لما جعل أغذيتنا وما به قوام أنفسنا وأبداننا في الخارج من