للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(كُلٌّ إِلَيْنَا رَاجِعُونَ) من تفرق ومن لم يتفرق، كقوله: (وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ)، (وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ).

وقوله: (فَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ وَإِنَّا لَهُ كَاتِبُونَ (٩٤) فيه دلالة ألا يقبل من الأعمال الصالحات إلا بالإيمان؛ لأنه شرط في قبولها الإيمان، كقوله: (وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ) أي: لشكر سعيه، ويقبل ولا يجحد ولا يكفر، كقوله: (وَمَا يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَرُوهُ)، بالياء والتاء (فلن تكفروه)، وأصل الكفران: الستر، والشكر: هو الإظهار؛ يخبر - عَزَّ وَجَلَّ - أنه لا يستر ما عملوا من الحسنات والخيرات، بل يشكر ويظهر.

وقوله: (وَإِنَّا لَهُ كَاتِبُونَ) أي: يكتب لهم تلك الحسنات والخيرات، كقوله: (وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ).

وقوله: (وَحِرْمٌ عَلَى قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَنَّهُمْ لَا يَرْجِعُونَ (٩٥) (وَحَرَامٌ) بالألف أيضًا، ثم قوله: (وَحِرْمٌ)، (وَحَرَامٌ) - على قول أهل اللسان واللغة - واحد، يقال: حِرْمٌ عليك كذا، وحرام، كما يقال: حِل وحَلَالٌ.

وأما على قول أهل التأويل فإنهم يفرقون بينهما، فيقولون: حرم: حتم وواجب (وَحَرَامٌ عَلَى قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَنَّهُمْ لَا يَرْجِعُونَ) أي: حتم وواجب على قرية إهلاكهم بعد ما علم (أَنَّهُمْ لَا يَرْجِعُونَ) أي: لا يتوبون؛ لأنه إنما يهلكهم لما علم منهم أنهم لا يتوبون.

أو أن يكون قوله: (وَحَرَامٌ عَلَى قَرْيَةٍ) أراد اللَّه إهلاكها (أَنَّهُمْ لَا يَرْجِعُونَ).

وظاهر قوله: (وَحَرَامٌ عَلَى قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَنَّهُمْ لَا يَرْجِعُونَ) أن يكون لهم الرجوع؛ لأنه يقول: (وَحِرْمٌ. . . أَنَّهُمْ لَا يَرْجِعُونَ)، ألا ترى إلى قوله: (حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ) وظاهره أنهم لا يرجعون، حتى إذا فتحت يأجوج ومأجوج واقترب الوعد الحق، فعند ذلك يرجعون لقوله: (فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا).

أو أن يكون ذكر هذا: (أَنَّهُمْ لَا يَرْجِعُونَ) ولقول قوم؛ لأن قوما يقولون: إن الخلق كالنبات ينبت، ثم ييبس، ثم ينبت، فعلى ذلك الخلق يموتون، ثم يعودون ويرجعون.

وبعض من الروافض يقولون: يرجع علي وفلان، فأخبر أنهم لا يرجعون ردَّا عليهم وتكذيبًا لخبرهم؛ لأن القرآن قد صار حجة عليهم وإن أنكروه لما عجزوا عن أن يأتوا بمثله، واللَّه أعلم بذلك كله.

وقوله: (حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ (٩٦) كأنه - واللَّه أعلم - أضاف فتح ذلك السد

<<  <  ج: ص:  >  >>