وسورة المائدة كان أكهثرها نزلت في مخاطبة أهل الكتاب؛ لأنه يقول في غير موضع:(يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ) و (يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلَى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ) يدعوهم إلى الإيمان بالرسل، ونزل سورة الأنعام في مخاطبة أهل الشرك؛ لأن فيها دعاء إلى التوحيد.
ويحتمل:(بِالْحَقِّ) المعلوم المعروف على ما كانوا؛ ليعلموا أنه باللَّه علم، وأنه علم سماوي.
وقوله - عز وجل -: (إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ): هذا يحتمل وجهين:
يحتمل: إنما يتقبل اللَّه قربان من اتقى الشرك، لا يتقبل قربان من لم يتق، وإلى هذا يذهب الحسن، وقال: كانا رجلين من بني إسرائيل: أحدهما مؤمن، والآخر منافق، فتنازعا في شيء فقربا ليعلم المحق منهما، فتقبل من المؤمن ولم يتقبل من الآخر.
وقال أبو بكر الأصم: كانا رجلين مصدقين؛ لأن الكافر لا يقرب القربان، لكن أحدهما كان أتقى قلبًا فتقبل قربانه، والآخر لا فلم يتقبل قربانه، والتقوى شرط في قبول القرابين وغيرها من القرب؛ كقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ)، وقوله: والكافر لا يقرب القربان، يقال: قد يقرب لما يدعي من الدِّين أن الذي هو عليه حق؛ ليظهر المحق منهم؛ ألا ترى أنهم يَدَّعُون أن فيهم من هو أحق بالرسالة من محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - بقولهم:(لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ)، وغير ذلك من أباطيل قالوها، وباللَّه التوفيق.
قال بعض الناس: إن الواجب علينا أن نفعل مثل فعل أُولَئِكَ، لا ينبغي لمن أراد أحد قتله أن يقتله، ولكن يمتنع عن ذلك على ما امتنع أحد ابني آدم؛ حيث قال له:(لَأَقْتُلَنَّكَ)، فقال له الآخر:(مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ)، واحتجوا في ذلك