للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وفي قوله: (أَلَا إِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ) دلالة إثبات البعث من وجهين:

أحدهما: فيما يذكر من قدرته من خلق السماوات والأرض وما بينهما بغلظهما وكثافتهما وشدتهما وعظم خلقتهما، وأن تلك القدرة خارجة عن وسع البشر وتوهمهم، فمن قدر على ذلك فهو قادر على إحياء الخلق بعد فنائهم.

والثاني: يخبر عن حكمته من تعليق منافع الأرض بالسماء على بعد ما بينهما، والإفضال على الخلق بأنواع النعم التي تكبر الإحصاء، وأن كل شيء منها قد وضع مواضعها، فلا يحتمل من هذا وصفه في الحكمة يخلق شيئا عبثًا باطلا ولو كانوا للفناء لا حياة بعده كان يكون خارجًا عن الحكمة، فظهر أنه خلقهم لأمر أراد بهم، واللَّه أعلم.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (٥٦) أي: تعلمون أنه هو أحيا الأحياء، وهو الأموات أيضًا وهو كقوله: (وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) فإذا عرفتم أنه هو يحيي الأحياء وهو يميت الأموات لا غير، فاعلموا أنه هو يبعثكم وإليه ترجعون؛ ألزمهم الحجة أولًا بالكائن، ثم أخبرهم عما يكون بالحجة التي ذكر.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ (٥٧) وهو هذا القرآن قَالَ بَعْضُهُمْ: الموعظة: النهي كقوله: (يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَدًا)، قيل: ينهاكم أن تعودوا لمثله أبدا. وقال آخرون: الموعظة هي التي تدعوا إلى كل مرغوب وتزجر عن كل مرهوب وقَالَ بَعْضُهُمْ العظة هي التي تلين كل قلب قاس وتجلي كل قلب مظلم وفي القرآن جميع ما ذكرنا فيه النهي، وفيه الدعاء إلى كل مرغوب، والزجر عن كل مرهوب، وهو يلين القلوب القاسية ويجلي القلوب المظلمة إذا تأملوا فيه، ونظروا، وتفكروا تفكر المستشهد وطالب الحق.

وقيل: الموعظة هي التي تلين القلوب القاسية وتدمع العيون اليابسة، وتجلي الصدور

<<  <  ج: ص:  >  >>