للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فكفروا بترك الهجرة، وهو كقوله: (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا)، فلا ندري كيف كانت القصة، وليس لنا إلى معرفة القصة؟ حاجة بعد أن يُعرف ما أصابهم بماذا أصابهم؟.

وقوله: (قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ)

هذا يتوجه وجوهًا:

إحدها: مع من كنتم: مع مُحَمَّد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - كنتم وأصحابه أو مع أعدائهم؟

والثاني: (فِيمَ كُنْتُمْ) أي: في دين مَنْ كنتم: في دين مُحَمَّد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - أو في دين أعدائه؟

والثالث: " قالوا " بمعنى: " يقولون " أي: يقولون لهم في الآخرة: (فِيمَ كُنْتُمْ)؟

(قَالوُا): كنا كذا.

وقولهم: (كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ): هذا ليس جوابًا لقوله: (فِيمَ كُنْتُمْ)؟ جوابه أن يقال: كنا في كذا، ولكنه كأنه على الإضمار، قالوا لهم: ما الذي منعكم عن الخروج والهجرة إلى مُحَمَّد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -؛ قالوا عند ذلك: (كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ): اعتذروا؛ أن كانوا مستضعفين في الأرض.

وظاهر هذا: أنْ مُنِعْنا عن الخروج إلى الهجرة، وحالَ المشركون بيننا وبين إظهار الإسلام. فقالوا: (أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا)

يعني: المدينة واسعة، آمنة لكم من العدو، فتخرجوا إليها، فتقلبوا بين أظهرهم، فهذا - واللَّه أعلم - كأنهم اعتذروا في التخلف عن ذلك؛ لما كانوا يتقلبون بين أظهر الكفرة ويتعيشون فيهم، فقالوا: (أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا) قطعوا عليهم.

ويحتمل وجهًا آخر: وهو أنهم إن منعوكم عن الإسلام ظاهرًا وحالوا بينكم وبين إظهاره؛ ألستم تقدرون على ادِّيَان الإسلام سرا، لا يعلمون هم بذلك؟!

(فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا).

أخبر أنْ لا عذر لهم في ذلك.

وفي قوله - تعالى -: (فِيمَ كُنْتُمْ) دلالة إحياء الموتى في القبر والسؤال فيه عما عملوا في الدنيا واللَّه أعلم.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ ... (٩٨)

<<  <  ج: ص:  >  >>