وقد تستعمل (إن) في موضع (قد)؛ كقوله:(إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولًا) أي: قد كان وعد ربنا لمفعولا.
فمن حمله على (ما) فقد استهان بمكرهم، واستخف به؛ فقال: إن مكرهم أوهن وأضعف من أن تزول منه الجبال، والجبال أوهن وأسرع زوالا من رسالة الرسل ودين اللَّه، بل رسالة الرسل؛ ودين اللَّه أثبت من الجبال، لأن دين اللَّه، ورسله معهما حجج اللَّه وبراهينه، فإذا لم يعمل مكرهم في إزالة الجبال - لا يعمل في إزالة دين الله ورسالة الرسل، ومعهما الحجج والبراهين.
ومن قال:(وَإِنْ كَانَ): قد حمله على الاستعظام بمكرهم.
وعلى ذلك: من قرأ (كاد)، بالدال على الاستعظام بمكرهم؛ كقوله:(تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا (٩٠) أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا (٩١) من عظيم ما قالوا في اللَّه كادت السماوات أن تنشق، فعلى ذلك مكرهم جميعًا الوجهين: أن يستهان مرة ويستعظم؛ إلا أن يقال: إن كلمتهم من حيث الشرك والكفر عظيمة، ومن حيث احتيالهم ومكرهم - في إزالة ذلك النور وإطفائه - ضعيفة. واللَّه سبحانه أعلم.
الخطاب به يحتمل ما ذكرنا: أي: لا تحسبن أن ما تأخر؛ من نزول ما وعد؛ أنه يخلف وعده الذي وعد رسله؛ كما لم يكن تأخير العذاب عنهم؛ من وقت ظلمهم عن غفلة وسهو، ولكن كان وعده إلى ذلك الوقت، وخلف الوعد في الشاهد من الخلق - إنما يكون لوجهين: أحدهما: لما لا يملك إنجاز ما وعد.
والثاني: لما يضره الإنجاز، فتعالى اللَّه عن ذلك كله.