للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقوله: (بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ (١١٧)

ابتدعهما ولم يكونا شيئًا.

والبديع والمبدع واحد؛ وهو الذي لم يسبقه أحدٌ في إنشاءِ مثله؛ ولذلك سمى صاحب الهوى: مبتدعًا؛ لما لم يسبقه في مثل فعله أحد.

ثم فيه الحجةُ على هَؤُلَاءِ الذين قالوا: اتخذ اللَّه ولدًا، يقول: إن من قدر على خلق السماوات والأَرض من غير شيء، ولا سبب، كيف لا يقدر على خلق عيسى من غير أب؟!

والثاني: أن يقال: إِن من له القدرةُ على خلق ما يصعب، ويعظم في أعينكم، بأقل الأَحرف عندكم - كيف لا يقدر على خلق عيسى من غير أَب؟!

وقوله: (وَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ).

قيل: وإذا حكم حكمًا: فإنما يقول له: كن فيكون.

وقيل: (وَإِذَا قَضَى أَمْرًا)؛ يعني قضى بإهلاك قوم واستئصالهم (فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ).

ثم قوله: (كُنْ فَيَكُونُ).

ليس هو قول من اللَّه: أَنْ كُنْ -بالكاف والنون- ولكنه عبارة بأَوجز كلام، يؤدي المعنى التام المفهوم؛ إذ ليس في لغة العرب كلام التحقيق بحرفين يؤدي المعنى المفهوم أَوجز من هذا، وما سوى هذا فهو من الصلات، والأَدوات، فلا يفهم معناها، والله أعلم.

ثم الآية ترد على من يقول: بأَن خلق الشيء هو ذلك الشيء نفسه؛ لأَنه قال: (وَإِذَا قَضَى أَمْرًا) ذكر " قَضى " وذكر " أَمْرًا "، وذكر " كُنْ فَيَكُونُ ". ولو كان التكوين والمكون واحدًا لم يحتج إلى ذكر كن في موضع العبارة عن التكوين فالـ " كن " تكوينه، فيكون المكون؛ فيدل أنه غيره.

ثم لا يخلو التكوين: إما أن لم يكن فحدث، أو كان في الأَزل.

فإن لم يكن فحدث، فإِما أَن يحدث بنفسه -ولو جاز ذلك في شيء لجاز في كل شيء- أَو بإِحداث آخَر، فيكون إحداث بإحداث، إِلى ما لا نهاية له. وذلك فاسد، ثبت أَن الإحداث والتكوين ليس بحادث، وأَن اللَّه تعالى موصوف في الأَزل أَنه محدث،

<<  <  ج: ص:  >  >>