هم كانوا يرجون رزقهم من السماء والأرض، فيقول: من ذا الذي يرزقكم إن لم يرسل عليكم من السماء مطرا، ولا زلل لكم الأرض للنبات.
وقد علموا أيضًا أن لا رازق لهم غير اللَّه تعالى؛ لأنهم كانوا يفزعون إليه بالسؤال للرزق عندما يبلون بالقحط والجدوبة، فذكرهم في حال السعة ما له عليهم من عظيم النعمة في توسيع الرزق عليهم؛ ليشكروه ولا يكفروه.
فالعاتي: هو المارد الشديد السفه؛ فكأنه يقول: لجوا وعتوا في قبول الحق، وتمادوا في طغيانهم، ولم يتذكروا ولم يراقبوا اللَّه تعالى، ولم يشكروا له، بل بعدوا عن قبول ذلك كله، فقوله:(أَمَّنْ هَذَا الَّذِي هُوَ جُنْدٌ لَكُمْ)، وقوله:(أَمَّنْ هَذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ) يخرج على أوجه ثلاثة:
أحدها: على التخويف والتهويل.
والثاني: على التنبيه والتذكير، وتسفيه أحلامهم.
والثالث: على البشارة لرسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - بالنصر له وبإجابة دعوته على أهل الكفر.
فوجه التنبيه والتذكير وتسفيه الأحلام ما ذكرنا: أنهم قوم كانوا يعبدون الأصنام لتنصرهم وتعزهم في الدنيا، وليبتغوا به الرزق من عندها؛ إذ هم كانوا لا يؤمنون بالبعث؛ ليطلبوا بعبادتها عين الآخرة والنصر فيها، وإنما كانوا يطمعون ذلك منها في الدنيا، ثم هم في الدنيا كانوا إذا نزلت بهم الشدة والفزع تضرعوا إلى اللَّه تعالى، كما قال:(وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ)، ولم يكونوا يفزعون إلى أصنامهم؛ فكيف اتخذوها جندا ينصرهم عند النوائب، وقد أحاط علمهم أنها لا تنصرهم