للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

والثاني: فيه إخبار أنه لا يعاقَبُ أحد بذنب غيره، ولا يؤاخذ بجريمة غيره، ولا يزيد على قدر ما يستحقون به العذاب، أو لا ينقصهم من ثواب حسناتهم شيئًا؛ كقوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ)، وغير ذلك من الآيات ما فيها إخبار أنه لا يجزيهم بأكثر مما يستوجبون ليس على ظن أُولَئِكَ، واللَّه أعلم.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَيَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنَادِ (٣٢) يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ ... )

وعظهم أيضًا بعذاب الآخرة وما يكون منهم من الندامة بتركهم اتباع الرسول، بعدما وعظهم بعذاب الدنيا وما نزل بأوائلهم بصنيعهم مثل صنيعهم، وهو ما قال: (إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنَادِ. يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ. . .) الآية.

ثم قوله: (يَوْمَ التَّنَادِ) فيه لغات ثلاث:

إحداها: (يَوْمَ التَّنَادِي) بالياء.

والثانية: بالتخفيف على حذف الياء.

والثالثة: بالتشديد.

فمن قرأها بالتشديد، يقول: هو من ند يند ندًّا إذا مضى لوجهه هاربًا فارًّا من عذاب اللَّه، إذا عاينوا العذاب، وهو من ند الإبل وغيره - واللَّه أعلم -.

ومن قرأه بالياء فهو التفاعل عن النداء، فهو على نداء بعضهم بعضًا يوم القيامة؛ كقوله تعالى -: (وَنَادَى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابَ النَّارِ أَنْ قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا)، وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ)، وقوله: (وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ)، وقوله: (وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ)، ونحوه.

ومن قرأه بغير الياء، فقد حذف الياء؛ كقوله: (فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ)، وأصله: التنادي، واللَّه أعلم.

ثم قوله تعالى: (يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ ... (٣٣) قَالَ بَعْضُهُمْ: يوم تولون هاربين من النار مدبرين عنها؛ كقوله تعالى: (يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ).

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (مَا لَكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ).

أي: ما لكم من عذاب اللَّه إذا نزل بكم من مانعٍ يمنعكم من عذابه.

<<  <  ج: ص:  >  >>