إليهم؛ فيضلون بها الخلق، فلو لم يمنعوا عن السماء لكانوا لا ينقطعون، ومن ادعى الكهانة اليوم فلا تجد عنده خبرا حادثا سوى ما تلقفوه من ألسن الرسل عليهم السلام، وكان أمر الشهاب أمرا ظاهرا، عرفته الكفرة فيما بينهم؛ فكانت هذه حجة سماوية لرسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - مقررة عند الكفرة رسالته؛ إذ لم يدع أحد منهم بكون الشهاب قبل أن يبعث النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -، فصار انقطاع الكهنة دليلا على صدقه في مقالته، واللَّه المستعان.
قال أبو بكر الأصم: إنهم كانوا من مشركي العرب، فتبرءوا من الشرك لما استمعوا وسمعوا من القرآن بقولهم:(وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا)، وقد يحتمل هذا الذي قالوا.
ويحتمل أنه لم يسبق منهم الإشراك؛ بل كانوا من جملة الموحدين، ولكنهم أحدثوا إيمانا بما سمعوا من القرآن، وأحدثوا تبرءًا من الشرك، وقد يتبرأ المرء من الشرك عندما يحدث له زيادة إيقان وإن لم يسبق منه الإشراك؛ كما قال موسى - عليه السلام -: (قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ).
فمنهم من يقول بأن هذه الكلمة يتكلم بها فيمن يظفر بكل ما يريده، فيوصف بأنه ذو جد، فجائز أن يكونوا أرادوا بهذا أن ربنا هو الظافر بكل ما يريده، فلا يستقبله خلاف، ولا تمسه حاجة، وعلى هذا التأويل قوله:" ولا ينفع ذا الجد منك الجد " أي: من كان له الجد في الدنيا، فإذا كان في تقدير اللَّه تعالى على خلاف ذلك، لم يغنه ذلك من عذاب اللَّه شيئا.
فإن كان هذا هو المراد، فمعناه: أن من هذا وصفه يتعالى عن أن يكون له شريك، أو