للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ (١٢٦)

تأويل هذه الآية - واللَّه أعلم - أنه وإن أكرمهم وأعظم منزلتهم عنده وأعلاها - فإنهم لم يأنفوا عن عبادته، ولم يخرجوا أنفسهم من أن يكونوا عبيدًا؛ بل كلما ازداد لهم عند اللَّه - واللَّه أعلم - منزلة وقدر - كانوا أخضع له وأطوع؛ كقوله - تعالى -: (بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ (٢٦) لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ (٢٧)، وفي موضع آخر: (لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ. . .) الآية.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطًا)

أي: أحاط بكل شيء علمه، وهو يخرج على الوعيد، أي: عن علم منه خلقهم لا عن جهل بصنيعهم كملوك الأرض، وباللَّه التوفيق.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ - أيضًا: (وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطًا) وبصيرًا، وعليما، ونحو ذلك، يخرج على التوعيد والتخويف؛ ليكونوا مراقبين له، حذرين؛ كمن يعلم في الأمور أن عليه رقيبًا، واللَّه أعلم.

ويخرج على الابتلاء: أنه أمر من يكتب الأعمال لا للخفاء عليه، لكن بما إذ لا يمتحن لحاجة به؛ ولكن لمصلحة عباده، فيمتحن بما شاء، فامتحن أُولَئِكَ الكتبة بما يكونون أبدًا متيقنين ناظرين، لا يغفلون عن ذلك؛ طاعة منهم لله.

والثاني: أن يكون العلم بمن يكتب عليه كل أمره -فيما جُبل عليه البشر- أذكر له وأشد في التنبيه؛ فجرى حكم اللَّه في ذلك؛ إذ أمر المحنة موضوع على المصلحة، وذلك أبلغ في الوجود، واللَّه أعلم.

ويخرج على أن اللَّه - تعالى - كان بذلك محيطًا؛ ليعلموا أنهم لا يتركون سُدى، بل يحصى عليهم للجزاء، واللَّه أعلم.

وجملة ذلك: أن اللَّه - تعالى - قال كان كذا؛ ليعلم أنه لا عن جهل خلق الخلق وبعث الرسل، وأنشأ الآيات، مما عليه أمر الخلق أنهم كيف يعاملون من ذكرت، وذلك خارج على حد الحكمة، وإن كان لا يعرفون في بعث الرسل إلى من يكذبهم، ولا تقوية الأعداء على ما به قهر الأولياء، ولا الأمر والنهي لمن يعلم أنه لا يأتمر ولا ينتهي - كبيرَ حكمة، وبما كان ذلك من اللَّه فهو خارج على حد الحكمة؛ إذ ذلك كله من الخلق يقع لحاجة أو

<<  <  ج: ص:  >  >>