للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقوله: (وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ).

العلوّ والعظمة -في الشاهد- يكون من وجوه ثلاثة:

أحدها: العلو عبارة عن القهر والغلبة؛ يقال: فلان عالٍ؛ أي: غالب وقاهر.

والعظمة عبارة عن القدر، والمنزلة، ونفاذ الأمر.

والثاني: يكون العلو عبارة عن الكبرياء، والسؤدد، وكذلك العظمة.

والثالث: العلو يكون عبارة عن الارتفاع في المكان، والعظمة: عظمة في البدن والنفس، وهذا مما لا يكون فيه كثرة منقبة وقدر، ولا شيء من ذلك، ولا يزيد ذلك في صاحبه رفعة ولا مرتبة، واللَّه يتعالى عن الوصف بهذا، فإنما رجع الوصف له بالعلوّ والعظمة إلى الوجهين الأوّلين، والسلطان، والقدرة، ونفاذ الأمر والمشيئة والكبرياء، والغلبة. فأمَّا ما رجع إلى الارتفاع في الأمكنة، والعظمة في البدن - فهو صفة المخلوق، وهم الموصوفون بذلك، تعالى اللَّه عما يقول الظالمون علوًّا كبيرًا.

وقوله: (تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْ فَوْقِهِنَّ ... (٥)

يحتمل هذا وجهين:

أحدهما: تكاد يتفطرن لذنوب أهل الأرض، وفسادهم، وعظيم ما قالت الملاحدة في اللَّه من الولد، والشريك، والصاحبة، كادت تنشق لذلك وتتساقط، كقوله في آية أخرى: (تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا (٩٠) أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا). بين في هذه الآية أنها كادت تنفطر وتنشق لماذا؛ وهو دعواهم للرحمن ولدا؛ فلذلك يحتمل - هاهنا - هذا المعنى، واللَّه أعلم.

والثاني: كادت تنشق لبكاء أهلها عليها، وإشفاقًا ورحمة على أهل الأرض.

ويحتمل: تكاد تنشق لعظمة الربّ، وجلاله، وعظم سلطانه؛ كقوله - تعالى -: (لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ).

أخبر أنه لو جعل في الجبال والأرض والسماء من المعنى والتمييز ما جعل في البشر، لكانت هذه الأشياء بالوصف الذي ذكر من الخضوع لربّها، وهو كما ذكر في آية أخرى: (وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ)، يخبر عن شدّة خضوع هذه الأشياء وخشوعها لربها وتذللها له، وعناد الكفرة واستكبارهم، وقلة خضوعهم لربهم، واللَّه أعلم.

ويحتمل أن يكون قوله - تعالى - (تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْ فَوْقِهِنَّ)؛ لكثرة أهلها وازدحامهم فيها، وعبادتهم لربهم، على ما ذكر في الخبر عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: " أطت السماء

<<  <  ج: ص:  >  >>