هذا يدل على أن ما ذكر من تفطر السماء؛ لعظم ما يقوله الملاحدة فيه من الشريك، والولد، والصاحبة، حيث قال على إثره:(وَالْمَلَائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ)، أي: الملائكة ينزهونه ويبرئونه عما يقولون فيه، ويثنون عليه بالثناء الذي يليق به، ويصفونه بما هو أهله، واللَّه أعلم.
وقوله:(وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ) امتحنهم - جل وعلا - بالتسبيح، والثناء له، والاستغفار لأهل الأرض، على ما ذكر.
ثم قَالَ بَعْضُهُمْ: إن قوله: (وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ) منسوخ بقوله - تعالى -: (فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا)؛ لأن الأول عام لجميع أهل الأرض، والثاني خاص، لكن هذا بعيد، ومحال أن يستغفر الملائكة، ويطلبون التجاوز من ربهم لمن يقول له بالشريك والولد والصاحبة، وإذا كان كذلك كان استغفارهم يرجع إلى المؤمنين خاصة؛ على ما ذكر في آية أخرى:(وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا)، وبقوله:(فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ)؛ فكان المراد من العام: هو الخاص؛ لأنّ المراد منه العموم، ثم صار منسوخًا بورود الخاص متراخيًا، واللَّه أعلم.
ثم إن كان استغفارهم لجملة أهل الأرض -على ما يقولون- فهو عبارة عن طلب السبب الذي به تقع لهم المغفرة؛ وهو التوبة عن الشرك والتوحيد؛ فيكون هذا سؤال التوحيد والهداية لهم؛ لتقع المغفرة لهم بذلك والتجاوز؛ ويصيروا لذلك، وعلى ذلك يخرج استغفار إبراهيم - عليه السلام - لأبيه أنه سؤال وطلب السبب الذي به تقع المغفرة له، وأن يجعله أهلا لذلك، وكذلك أمر الرسل - عليهم السلام - قومهم بالاستغفار لهم، وهو ما قال هود - عليه السلام - و (وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ)، وقول نوح:(اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا)، لا يحتمل أن يقولوا لهم: قولوا: نستغفر اللَّه، ولكن يقولون لهم: اطلبوا، واسألوا ربكم السبب الذي به تقع المغفرة لكم؛ وهو التوبة عما هم فيه، واختيار الهداية والرشد لأنفسهم؛ ليكونوا لذلك أهلا، فعلى ذلك يخرج استغفار الملائكة إن كان لجملة أهل الأرض، على ما يقول بعض أهل التأويل،