فجوابه - واللَّه أعلم -: أن الذي يشرع في الأمر الذي علم أن إتمامه يضره ولا ينفعه، إنما لحقته المذمة؛ لما سعى في إضرار نفسه، فأما الذي أعرض عن إطاعة اللَّه - تعالى - وكفر به فإنما اكتسب الضرر على نفسه خاصة بأن أوقعها في المهالك، ولم يضر غيره؛ لذلك لم تلحقه المذمة في خلقه وإنشائه، وفي هذا دلالة أن اللَّه - تعالى - حيث خلق الخلق لم يخلقهم لمنفعة له ولا لمضرة تلحقه من جهتهم؛ بل منافعهم ومضارهم راجعة إلى أنفسهم، واللَّه أعلم.
وقوله - تعالى -: (فَلَا أُقْسِمُ بِالشَّفَقِ) منهم من حمل قوله: (فَلَا) على دفع منازعة وقعت فيما بين القوم؛ على ما نذكر في سورة (لَا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ) إن شاء اللَّه، وإنما القسم قوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (أُقْسِمُ).
ومنهم من جعل " لا " بحق الصلة.
فإن كان على الوجه الأول، لم يجز حذف " لا " من الكلام؛ بل حقه أن يقرأ (فَلَا أُقْسِمُ).
وإن كان بحق الصلة استقام حذفه، كما قرأ بعض القراء:(فَلَا. أُقْسِمُ بِالشَّفَقِ).
ثم الشفق هو أثر النهار، فجائز أن يكون القسم واقعا على النهار كله، وإن كان ذكر طرفا منه.
والثاني: أن الشفق يجتمع فيه أثر النهار -وهو النور الذي فيه- وأثر الشمس -وهو الحمرة التي تكون فيه- فيكون القسم واقعا على النهار بما فيه، كما كان واقعا على الليل بما فيه؛ لقوله:(وَاللَّيْلِ وَمَا وَسَقَ)؛ فيكون فيه حجة لقول أبي حنيفة - رضي الله عنه -: إن وقت العشاء لا يدخل حتى يغيب البياض؛ لأن وقتها يدخل بغيبوبة الشفق، والشفق وجدناه مشتملا على البياض والحمرة، فما لم يتم الغيبوبة لم يهجم وقتها؛ ألا